وذلك أن الدار لا تصلح إلا بالجيوش والأنصار، والخيل والرجال، ولا تقوم ولا تجتمع إلا بالأموال. فنظرنا فإذا بالبلد الذي نحن فيه ليس فيه شيء غير هذه الأعشار، وإن نحن عند حاجة المهاجرين والأنصار إلى القوت، وما به تدفع الهلكة والموت، من دفع هذه الأعشار التافهة إليهم، وردها دون الأصناف عليهم دفعناها إلى المساكين، وغيرهم من الأصناف المذكورين؛ هلكت الجنود المجندة، وتبددت الجماعة المجتمعة، وافترق المهاجرون، وذل المسلمون، ووقعت البلية، وعظمت المصيبة، وشملت الفتنة، ولم تضبط البلاد، ولم يصلح أحد من العباد، وعلا الظالمون، وخمل المؤمنون، وبطل الجهاد، وخربت البلاد، وشمل البلاء، وذل الأمر والرجاء، فهلك في ذلك الضعفاء، وشح الأغنياء، ومات الفقراء، ووقع الضياع، وكثر الجياع. وعلمنا أنا إن آثرنا بها من به قوام الدار، من أهل الإسلام من المهاجرين والأنصار، استوسقت السبل(1) وأمنت البلاد، وعاش العباد، وتجر التجار، وعمرت الديار(2)، وزرع الزارعون، وتقلب المتقلبون، واستغنت الرعية، وحسن حال البرية، فعاش بينها(3) أهل الصدقة من هؤلاء الأصناف المذكورين، وسخا الأغنياء بالعطية للطالبين، وتقلب الفقراء والمساكين؛ في دار الأغنياء الواجدين، وتكسبوا معهم، وأصابوا من فضلهم، وحسنت بصلاح دارهم حالهم(4)، واستقامت لعز الإمام أمورهم.
صفحه ۷۷۳