فكيف تريد أن تحيط بصفة ما ستر الله علمه، وتقف على تحديد ما منع الله الخلق فهمه؟! ولم يبين(1) من علم كيفيته في نفسه قليلا ولا كثيرا للملائكة المقربين، ولا للأنبياء والمرسلين، ولا لأحد من المخلوقين. فهذا طلب منك للمحال، وجري في ميادين الضلال، وتشبث بفاسد من المقال.
وقد وصفنا لك الروح، وبيناه بالدلائل التي بينه الله لنا بها، وهدانا سبحانه إليها، حتى عرفته(2) بغاية المعرفة المفهومة، واستدللت عليه بأدل الدلائل المعلومة، التي دلتك على تحديده، وأوقفتك على تقديره، وشهدت لك على أثر صنع الله في تدبيره، وأوضحت لك أنه فعل من الله مجعول، وأنه مبعض مفعول، تضمه الأعضاء، وتحوزه الأجزاء، وتحويه الأبدان، بأبين البيان وأنور البرهان.
فميز قولنا، وتدبر شرحنا؛ يبن لك أمرك، ويصح لك من ذلك محبوبك.
وقلت: كيف يميت الله البدن ولا يميت الروح؟! وكل سيموت. فأما معنى تأخير الله لإماتة الروح(3)، فإن ذلك بحكمة الله وفضله(4)، وما اراد من الزيادة في كرامة المؤمنين، واراد من الزيادة في عذاب الفاسقين. فجعل الأرواح حية باقية إلى يوم الدين، ليكون روح المؤمن من بعد فنآء بدنه في البشارات والسرور، والنعيم والحبور، بما يسمع من تبشير الملائكة بالرضى والرضوان، من الواحد ذي الجلال والسلطان، وما أعد له من الخير العظيم، والثواب الجسيم، كل ذلك يتناهى إليه علمه، ويصل به من ربه فهمه، فيكون ذلك زيادة في ثوابه، ومبتدأ ما يريد الله من إكرامه، حتى يكون يوم القيامة المذكور، ثم ينفخ في الصور النفخة الأولى فيقع بهذا الروح من الموت ما يقع بغيره في ذلك اليوم، فيموت ويفنى، كما فني البدن أولا.
صفحه ۷۱۸