قلنا لك وأجبناك: بأن الذي ذكرت محجوب عنا استأثر الله بعلمه، وأبى أن يطلع أحدا على قدرته، فقال لمن سأل نبيه عما سألت من الروح وتقديره، وصفته بغير ما وصفناه : {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} [الإسراء: 85] فلم ينبه عليه السلام ولا إياهم(1) من علم الروح وصفته؛ على غير ما ذكرناه من نعته، وقال: {قل الروح من أمر ربي} يقول: من فعل ربي وخلقه، وتدبيره وصنعه(2)، والشاهد له بالحكمة. ولم يصف الروح بغير ما وصفنا، ولم يستدل عليه بغير ما دللنا، ولس في نعت ذلك لأحد حجة، ولا لأحد إلى علم كيفيته حاجة، وليس عزوب علم ذلك على الآدميين؛ إلا كعزوب علم غيره من الأشياء، مثل: معرفة صورة ملك الموت، وصورة مالك خازن النار، وصورة إبليس وجنده، فهم خلق من خلق الله، قد أطلع(3) على تكوينهم وتقديرهم، شكلهم ومثلهم؛ من الملائكة والشياطين(4)، وحجب علم ما علمته(5) أشكالهم من تصويرهم وتقديرهم عن(6) الآدميين، فليس من الآدمييين خلق يصف ما ذكرنا بطول ولا عرض، ولا جسم ولا لون. فهؤلاء مخلوقون يصفهم بما ذكرنا شكلهم، ويعرف ذلك مثلهم، قد عجز عن وصفهم الآدميون، وانحسروا عن تحديدهم، وعجزوا عن شرح ألوانهم وهم خلق من خلق الله قد أظهره، وفعل من فعله قد بينه، لم يحجب أمثالهم منه شيئا، ولم يستر عن أشكالهم منه جزء، عجز عقلك وعقول أشكالك أيها السائل عن صفتهم، وانحسرت ونظراءك عن تحديدهم، وانقطعت وهم عن تقديرهم.
صفحه ۷۱۷