(فالجواب) أن يقال: المجيب إنما ذكر كلاما عاما في أن أهل السنة والجماعة هم الذين اقتفوا ما عليه رسول الله ﷺ وأصحابه والتابعون لهم بإحسان، ومعلوم أن أهل الحديث هم أعظم طوائف الأمة بحثا ومعرفة بسنة رسول الله ﷺ وذلك لأنهم قد اشتغلوا بذلك، وأفنوا أعمارهم في طلب ذلك ومعرفته، واعتنوا بضبط ذلك وجمعه وتنقيته؛ حتى بيَّنُوا صحيح ذلك من ضعيفه من كذبه، ولا ينازع في ذلك إلا عدو لله ولرسوله ﷺ ولعباده المؤمنين.
(الوجه الثاني): أن ظاهر كلام المجيب ... ١ وكلامه يبين أنه لم يخص بذلك طائفة معينين، بل كل من سلك هذه الطريقة فهو منهم من جميع الطوائف، وهو داخل في قوله: وهم أهل السنة والحديث من هذه الأمة.
(الوجه الثالث): قوله: "الذين لم يتكلموا في القدر"، وهذا كذب ظاهر على المجيب وعلى أهل الحديث، فإن أهل السنة والحديث من هذه الأمة يتكلمون في القدر، بمعنى أنهم يؤمنون به ويثبتونه، ويقولون: إن الله قدر أفعال العباد؛ خيرها وشرها.
وهو من أصول الإيمان عندهم، كما ثبت ذلك في الصحيحين في حديث جبرائيل ﵇ لما سأل النبي ﷺ عن الإيمان فأخبره بأنه: "الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره" ٢. فهذا هو الذي عليه جماعة أهل السنة والجماعة والحديث، وعليه يدل كتاب الله والأحاديث المتواترة عن رسول الله ﷺ؛ ولولا خوف الإطالة لذكرنا من ذلك شيئا كثيرا، وليس هذا موضع بسط ذلك وذكر الدلائل عليه.
وأما الْمُعْتَزَلَة الذين ينفون أن الله قدر أفعال العباد عليهم أو شاءها منهم، فهم الذين ينكرون ذلك، ومن اتبعهم من الروافض والزيدية الذين ينكرون أن الله قدر أفعال العباد وشاءها منهم.
_________
١ هنا في الأصل بياض قدر كلمة.
٢ مسلم: الإيمان (٨)، والترمذي: الإيمان (٢٦١٠)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (٤٩٩٠)، وأبو داود: السنة (٤٦٩٥)، وابن ماجه: المقدمة (٦٣)، وأحمد (١/٢٨)
1 / 124