وقد ذكرنا نص كلامه بحروفه، وجميع ما نقله من "الدر المنثور" عن الصحابة والتابعين من تفسير قوله: ﴿شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ ١ أي: شديد القوة أو المكر أو الحول، قد بيَّنَّا أن ذلك ليس هو تفسير آيات الصفات وتأويلها الذي وقع النّزاع فيه بين أهل الإثبات وأهل النفي، بل ذلك من باب وصف الله –سبحانه- بأسمائه بالحسنى، وصفاته وأفعاله اللازمة، والتعدية مع قطع النظر عن معرفة كيفية ذلك، أو تأويله بالتأويلات المبتدعة.
(الوجه السابع): قوله: "فاختر لنفسك ما يحلو، ولا حول ولا قوة إلا بالله"، فنقول: قد اخترنا لأنفسنا ما اختاره الله لنا في كتابه، وهو الاقتداء والتأسِّي بما درج عليه رسول الله ﷺ وأصحابه في هذه المسألة وغيرها، كما وصَّانا الله بذلك في كتابه حيث قال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ ٢، وقال: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ ٣، وقال في آخر السورة: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ ٤، وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ ٥، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه بإجماع المفسرين، والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته بعد وفاته.
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا إذ هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق، والله ﷾ أعلم.
فصل
وأما قوله: (ثم لا يخفى أن المجيب قد جعل أهل السنة والجماعة هم أهل الحديث الذين لم يتكلموا في القدر، ولم يفسروا آيات الصفات ولا تأولوها، فنطلب منه التحقيق والإفادة، بأن يبين لنا من روى من أهل العلم المحقق بأن هذا الاصطلاح مخصوص بمن ذكره؛ فإن العلماء مختلفة أقوالهم في إطلاقهم أهل السنة والجماعة كما عرفت) .
_________
١ سورة الرعد آية: ١٣.
٢ سورة الأحزاب آية: ٢١.
٣ سورة الأعراف آية: ٣.
٤ سورة الأنعام آية: ١٥٣.
٥ سورة النساء آية: ٥٩.
1 / 123