احتجاج الخوارج وأشباههم على بطلان ولاية علي وإمامته، بقوله -تعالى-: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ ١. وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ ٢، وإنما أتوا من قلة معرفتهم بتفسير كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ومن جنس احتجاج الرافضة، ومَن نحا نحوهم على كفر الصحابة، وظلمهم بقوله -تعالى-: ﴿مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾ ٣. وكذلك احتجاجهم على إمامة علي بعد رسول الله ﷺ بقوله -تعالى-: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ ٤ الآية.
وكذلك احتجاج الجهمية، والمعتزلة على نفي الصفات الواردة في القرآن والسنة بقوله -تعالى-: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ ٥ وقوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ٦. وكل هذه الآيات لا تدل على ما ذهبوا إليه، وإنما تدل على ما أجمع عليه سلف الأمة، وأئمتها من الصحابة، والتابعين ﵃؛ لأن القرآن يصدق بعضه بعضا، وكذلك الأحاديث يصدق بعضها بعضا، والسنة الصحيحة لا تخالف الكتاب؛ لأن الجميع من مشكاة واحدة ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ ٧.
(الوجه الثامن): أن يقال: قوله: (ونظروا في الأحاديث الموجبة لطاعة أئمة الجور، فوجدوها قد رواها خصومهم عنه) كذب ظاهر، وتمويه على الجهال الأصاغر، فإن الأحاديث التي فيها السمع والطاعة لولي الأمر قد رواها جماعة كثيرة من الصحابة من أهل البيت وغيرهم، ولم يردها علماء أهل البيت، بل تلقوها بالقبول كما تقدم النقل عنهم بذلك ٨. وبينا أن أهل البيت اختلفوا في جواز الخروج على أئمة الجور.
_________
١ سورة الزمر آية: ٦٥.
٢ سورة المائدة آية: ٤٤.
٣ سورة المائدة آية: ٥٤.
٤ سورة المائدة آية: ٥٥.
٥ سورة مريم آية: ٦٥.
٦ سورة الشورى آية: ١١.
٧ سورة النساء آية: ٨٢.
٨ بقي شيء آخر: وهو أن رواة الأحاديث الذين دونوها ومحصوا أسانيدها، ليسوا خصوما فيها لآل البيت، ولا للشيعة وغيرهم من المبتدعة، بل يروون عن كل من ثبت عندهم عدالته في الرواية، وإن كان مخالفا لهم في بعض الأصول والفروع، لا يتعصبون لمذهب أحد في الرواية؛ فالمجتهد منهم يروي كل ما سمعه من الرواة، ويتبع ما صح عنده بحسب فهمه، ومن نشأ على مذهب كالذهبي والمزي وابن حجر العسقلاني لا يأبى أن يصحح ما خالف مذهبه، وأن يضعف ما وافقه، فتمحيص الأسانيد عندهم مقدم على كل شيء، وعلماء الشيعة المتعصبون من الزيدية والإمامية يعلمون هذا، ولكنهم يوهمون عوامهم أن حفاظ الحديث خصوم لهم؛ ليقطعوا طريق الأدلة الصحيحة عليهم.
1 / 83