فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ ١،
قال: المعنى: لا ترضوا بأعمالهم، وقال ابن عباس: معنى الركون: الميل، وقال السدي، وابن زيد: لا تداهنوا الظلمة، وقال سفيان: لا تدنوا من الذين ظلموا.
وقال جعفر الصادق: ﴿إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ إلى أنفسهم؛ فإنها ظالمة، وقيل: لا تشبهوا بهم. ذكر هذه الأقوال كلها أبو حيان النحوي في تفسيره "البحر"، ولم يذكر أحد من المفسرين أن الآية تدل على أن الظالم إذا تولى على الناس وقهرهم بشوكته وسلطانه، لا تصح ولايته، ولا تجوز طاعته إذا أمر بطاعة الله.
وجميع أهل السنة والجماعة متفقون على أن الركون إلى الظلمة لا يجوز على ما فسره علماء التفسير، كابن عباس، وأبي العالمية، فلا يجوز الميل إليهم، ولا الرضى بأعمالهم التي تخالف كتاب الله وسنة رسوله. وكذلك لا تجوز مداهنتهم، بل ينكر عليهم ما فعلوه من المنكر بلسانه إذا قدر على ذلك، فإن لم يقدر أنكره بقلبه، كما في الحديث المرفوع أنه لما ذكر الظلمة قال: " من أنكره فقد سلم، ومن كره فقد برئ، ولكن من رضي وتابع" ٢ ٣. فتبين بما ذكرناه أن الآية لا تدل على ما ذهب إليه هذا المعترض، ومن نحا نحوه من أهل البدع.
وأما الآية الثالثة وهي: قوله -تعالى-: ﴿وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾ ٤، قال أهل التفسير: ﴿الْمُضِلِّيْنَ﴾ يعني الشياطين؛ لأنهم الذين يضلون الناس، ﴿عَضُدًا﴾ قال قتادة: أعوانا يعضدونني إليها، والعضد كثيرا ما يستعمل في معنى العون، وذلك أن العضد قوام اليد، ومنه قوله: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ ٥ أي: سنعينك ونقويك به، فهذا إخبار عن كمال قدرته، واستغنائه عن الأنصار والأعوان، والله ﵎ لا يحتاج إلى إعانة أحد من خلقه، بل هو الغني عما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فهل في هذه الآية ما يدل على مقصود هذا المعترض، الجاهل بوجه من الوجوه؟
(الوجه السابع): أن يقال: احتجاجه بهذه الآيات على معارضة الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ في السمع والطاعة لولي الأمر ومناصحته، من جنس
1 / 82