تخفي رأسها تحت الغطاء. جدتها إلى جوارها تلهث. أعمدة السرير النحاسي تهتز. تلف حول رأسها منديلا أسود. تضع الإنجيل تحت الوسادة. تغلق عينيها وشفتاها تتحركان. تتمتم بلا صوت: تزحفين على بطنك إلى الأبد وهو يسود عليك.
تطل بنصف عين من تحت اللحاف. تلتقي عيناها بعيني جدتها المفتوحتين: المأمور مين يا نينة؟ - رئيس جدك في الشغل. - ليه اسمه المأمور؟ - له رئيس فوقه يأمره. - ومين الرئيس فوقه يا نينة؟ - المحافظ. - ومين فوق المحافظ يا نينة؟ - الوزير. - ومين فوق الوزير يا نينة؟ - الملك. - ومين فوق الملك يا نينة؟ - الخواجة الجنرال. - ومين فوق الجنرال يا نينة؟ - ربنا.
ترسم جدتها الصليب فوق صدرها. أبانا الذي في السماوات اغفر خطايانا.
ومن وراء الباب الزجاجي ترى ألسنة النار تتصاعد حتى السقف. جدتها راقدة فوق بلاط الحمام. عيناها مفتوحتان وشفتاها مطبقتان في صمت. الصمت يدوي في أذنيها كهدير الشلالات. آلاف الأصوات تهتف: يسقط! يسقط!
مع حركة شفتيها وهي تهتف ارتفعت يدها في الهواء، ثم سقطت السكين فوق القرص الذهبي. انشق القرص نصفين، وتناثرت حروف الاسم الثلاثي كذرات الرمل. انشقت الدرع الحديدية من تحت القرص. ودخل النصل في قطعة كالحجر لها شكل القلب. خرج منها يلمع تحت ضوء القمر. نظيفا أبيض، بلا قطرة واحدة من الدم.
أخفت رأسها تحت اللحاف. كانت تظنه من بني آدم، له جسد من لحم ودم، لكنه كان تمثال الإله رع أو الملك رمسيس، اشتراه أبوها بجهاز العروس، وقبض منه المهر. - جنات.
سمعت صوت الرئيسة يناديها. أخرجت رأسهما من تحت الغطاء. رأتها واقفة داخل ثوبها الأبيض. رأسها ملفوف بالطرحة البيضاء. فوق صدرها قرص ذهبي يلمع، وحروف محفورة، مشرشرة سوداء كأرجل الخنافس الميتة. ر. ئ. ي. س. ة. ا. ل. ح. ك. ي. م. ا. ت.
أخفت رأسها تحت اللحاف. - عارفة أنا مين يا جنات؟ - إنت الرئيسة. - لا أنا نرجس. - نرجس مين؟ - مش فاكراني! - لأ. - بأمارة ما كنا بنلعب الحجلة. - الحجلة مين؟ - مش فاكرة المدرسة؟ - مدرسة مين؟
والشيخ بسيوني؟ - شيخ مين؟ - مش فاكرة حاجة خالص؟ - لأ.
كان المدير جالسا إلى مكتبه من وراء الزجاج. داخل معطفه الأبيض، شعر رأسه تساقط إلا ذؤابة بيضاء. انفرجت شفتاه عن ابتسامة. كشفت عن أسنان مشرشرة صفراء. أخرج قلمه من جيبه العلوي. كتب فوق ورقة طويلة متآكلة الأطراف. - فقدت الذاكرة واكتمل الشفاء. تخرج غدا قبل صلاة الفجر.
صفحه نامشخص