فصل
لابد للعبد من معرفته بربه ومعرفته بنفسه ومعرفته بزمانه.
فمعرفته بنفسه بثلاث:
[[الأول]]: النظر في أوصافها الذاتية من النقص والضعف والعجز والذل واللازم له حتى يتحقق فقره لمولاه، فيرجع في كل شيء إليه، ويستفيد ذلك من التفكر فيما عجز عنه من أموره المهمة مع قوته وعزمه؛ فقد قيل: إنما يعرف الله بنقض العزائم، ومن عرف نفسه عرف ربه.
الثاني: النظر في أوصافها العارضة من القبائح والرذائل والمعاصي والشهوات والغفلات، ولا يفيد ذلك ما لم يتبع تفصيلا، وإلا كان؟ سبب الجرءة، أعني من اعتقد النقص في نفسه ولم يحققه عليها بالبرهان.
الثالث: النظر في أعماله الصالحة وما يصحبها من الدعاوي والمهاوي كالرياء والكبر والعجب ونحو ذلك، ويتعلم جملة هذا الأخير ويتحققه بسوء ظنه بها مع مطالعة كتب الإمام أبي حامد فإنها محتوية عليه، وهو أكبر فوائدها.
وأما معرفة الزمان: فيعينك عليه النظر فيه في ميزان الشرع الذي كاد أن ينقرض، لذلك قال الفضيل بن عياض - رضي الله عنه - : هذا زمان احفظ فيه لسانك، واخف مكانك، وعالج قلبك، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر.
وقال غيره: هذا زمان السكوت ولزوم البيوت والرضا بيسير من القوت.
وتقدم قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا رأيت شحا مطاعا.."الحديث؛ وقال الشيخ أبو العباس المرسي - رضي الله عنه - : من أراد الظهور فهو عبد الظهور ومن أراد الخفا فهو عبد الخفا، وعبد الله سواء عليه أظهره أو أخفاه، انتهى.
وعباد الله المباركين لا خطر للخلق عندهم حتى يستتروا عنهم، بل في الستر عنهم ادعاء للمرتبة عليهم، وفيه ما فيه؛ وأما العزلة لأنك كلب غقور فتحبس نفسك عن عباد الله، أو لأن التلوين مسرع لكل ظاهر.
ولهذه الجملة شرح طويل، ومن أراده فعليه بكتب الأئمة كالسلمي والقشيري ونحوهم.
صفحه ۴۳