جامع أبي الحسن البسيوي - المتن المحقق
جامع أبي الحسن البسيوي جديد
ژانرها
ولو جاز أن يرى في الآخرة لجاز أن تأخذه السنة والنوم في الآخرة، ويطعم في الآخرة ويظلم، فلما كان هذا مدائح الله وصفاته كان ذلك من صفاته التي قال: {لا تدركه الأبصار}، فهي لا تدركه ولا تراه في الدنيا ولا في الآخرة.
وقد قال الله تعالى في كتابه لموسى: {لن تراني}، فهو لا يراه. وقول بني إسرائيل: {أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون}، وقول الكفار: {لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا}، قال الله: {لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتوا كبيرا}.
فهذا ومثله في القرآن لمن احتج بأن الله لا يرى بالأبصار، وأنه لا تدركه الأبصار في الدنيا ولا في الآخرة، وتعالى الله وجل وعلا علوا كبيرا.
فإن قال: من جوز الرؤية من الحشوية، وقال: يرى ولا يدرك؟
قيل له: لا يجب ما قلت، وذلك أنا رأينا ووجدنا الرؤية بالبصر، هي الإدراك بالبصر، فلو كان مرئيا كان مدركا.
فإن قال: لم قلت ما قلت؟
قيل له: إنا ندرك بأبصارنا ما نراه بها، كما نعلم بقلوبنا ما نعرفه بها، فلو كانت الرؤية بالبصر غير الإدراك بالبصر لكان العلم بالبصر غير المعرفة بالبصر، فلما كان قول من قال: علمت بقلبي ما لم أعرفه بقلبي محالا كان قول من قال: رأيت ببصري ما لم أدركه ببصري محالا.
فإن قال: الدرك: إحاطة.
قيل له: وكذلك النظر إحاطة بالرؤية، إحاطة بالمرئي.
فإن قال: قد نرى السماء ولا ندركها؟
قيل له: وإن لم ندرك السماء كلها فقد أدركنا ما رأينا منها.
فإن قال: الدرك: إحاطة، { قال أصحاب موسى إنا لمدركون} أي: محاط بنا.
قيل له: الدرك على وجوه: منها: إحاطة. ومنها: انتهاء، يقال: أدرك الزرع، وأدركت الثمرة، وأدرك الغلام: إذا انتهى واحتلم.
صفحه ۳۱