جلیس صالح
الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي
ویرایشگر
عبد الكريم سامي الجندي
ناشر
دار الكتب العلمية
ویراست
الأولى ١٤٢٦ هـ
سال انتشار
٢٠٠٥ م
محل انتشار
بيروت - لبنان
مناطق
•عراق
امپراتوریها
خلفا در عراق
وتَغَنَّى مالكٌ صَوتا آخر فجَاء بالعجب، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد: أَحْسَنت أَحْسَنت أحسن اللَّه إِلَيْك، فَقَالَ: الأَرْض الأَرْض يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين، قَالَ: ذَاك لَهُ وَنزل فحياه وَأحسن إِلَيْهِ، وَلم يزل مَعَه، حَتَّى قتل الْوَلِيد.
إِلَّا أَن تحج ثَانِيَة يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْجُرْجَانِيِّ، قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الرَّشِيدِ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَبَيْنَا أَنا بَين الْقَبْر والمنبر، إِذْ أَنَا عَنْ يَمِينِي بِرَجُلٍ حَسَنِ الْهَيْئَةِ خَاضِبٍ، مَعَهُ رجلٌ فِي مِثْلِ حَالِهِ، فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ نَحْوَهُ فَإِذَا هُوَ يَكْسِرُ حَاجِبَهُ، وَيَفْتَحُ فَاهُ، وَيَلْوِي عُنُقَهُ، وَيُشِيرُ بِيَدِهِ، فَتَجَوَّزْتُ فِي صَلاتِي وَسَلَّمْتُ، فَقُلْتُ: أَفِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَتَغَنَّى؟ قَالَ: قَنَّعَكَ اللَّهُ دَارَ مَخْرَمَةَ، مَا أَجْهَلَكَ! - قَالَ: وَدَارُ مَخْرَمَةَ صَخْرَةٌ - أَمَا فِي الْجَنَّةِ غِنَاءٌ؟ قُلْتُ: بَلَى، فِيهَا مَا تَشْتَهِي الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ، قَالَ: فَأَنَا فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، قُلْتُ: لَا، قَالَ: وَاحْرَبَاهْ! أَتَرُدُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَوْلَهُ: " بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي روضةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ "، فَنَحْنُ فِي تِلْكَ الرَّوْضَةِ، فَقُلْتُ: قَبَّحَ اللَّهُ شَيْخًا وَشَارَةً، مَا أَسْفَهَكَ! فَقَالَ: بِالْقَبْرِ لَمَا أَنْصَتَّ إِلَيَّ، فَتَخَوَّفْتُ أَلا أُنْصِتَ إِلَيْهِ، فَانْدَفَعَ فَتَغَنَّى بصوتٍ يُخْفِيهِ:
فَلَيْسَتْ عَشِيَّاتُ الْحِمَى بِرَوَاجِعٍ ... عَلَيْكَ وَلَكِنْ خَلِّ عَيْنَكَ تَدْمَعَا
فَوَاللَّهِ إِنْ قُمْتُ لِلصَّلاةِ مِمَّا دخا عَليَّ، فَلَمَّا رَأَى مَا نَزَلَ بِي، قَالَ: يَا ابْن أُمِّي! أَرَى نَفْسَكَ قَدِ اسْتَجَابَتْ وَطَابَتْ، فَهَلْ لَكَ فِي زِيَادَةٍ؟ قُلْتُ: وَيْحَكَ! مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله وَسَلَّمَ، قَالَ: أَنَا أَعْرَفُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْكَ، فَدَعْنَا مِنْ جَهْلِكَ، وَتَغَنَّى:
فَلَوْ كَانَ واشٍ بِالْيَمَامَةِ دَارُهُ ... وَدَارِي بِأَعْلَى حَضْرَمَوْتَ اهْتَدَى لِيَا
وَمَا بَالُهُمْ لَا أَحْسَنَ اللَّهُ حِفْظَهُمْ ... مِنَ الْحَظِّ هُمْ فِي نصر هم لَيْلَى حِيَالِيَا
قَالَ: فَقَالَ لَهُ صَاحبه: يَا ابْن أَخِي! أَحْسَنْتَ وَاللَّهِ، عَتَقَ مَا يَمْلِكُ لَوْ أَنَّ هَذَا فِي مَوْضِعِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الرَّشِيدِ لَخَلَعَ عَلَيْك ثِيَابه مشقومةً طَرَبًا، قَالَ: فَقُمْتُ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ مَنْ أَنَا، فَدَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الرَّشِيدِ، فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: أَدْرِكْهُمَا لَا يَفُوتَانِكَ، فَوَجَّهْتُ مَنْ أَتَى بِهِمَا، فَلَمَّا دَخَلا عَلَيْهِ وَدَخَلا بوجوهٍ قَدْ ذَهَبَ مَاؤُهَا، وَأَنَا قائمٌ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ! هَذَانِ هُمَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَنَظَرَ الْمُغَنِّي مِنْهُمَا إِلَيَّ وَقَالَ: سِعَايَةً فِي جوَار قبر رَسُول اللَّهِ ﷺ؟ فَسُرِّيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُ غَضَبِهِ، فَقَالَ: مَا كُنْتُمَا فِيهِ؟ قَالا: خيرٌ، قَالَ: فَمَا من ذَلِك الْخَيْر؟ فسكتا، فَقَالَ لِلْمُغَنِّي مِنْهُمَا: مَنْ أَنْتَ؟ فَابْتَدَرَهُ جَمَاعَةٌ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! هَذَا ابْنُ جُرَيْجٍ فَقِيهُ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالَ: فَقِيهٌ يَتَغَنَّى فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِالْقَصْدِ مني، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ مِنْ هَذَا الْمَخْزُومِيِّ -
1 / 342