جلیس صالح
الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي
ویرایشگر
عبد الكريم سامي الجندي
ناشر
دار الكتب العلمية
شماره نسخه
الأولى ١٤٢٦ هـ
سال انتشار
٢٠٠٥ م
محل انتشار
بيروت - لبنان
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا خير الْجِنِّ كَأَنْجَاسِهَا
فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... وَاسْمُ بِعَيْنَيْك إِلَى رَاسِهَا
فَلَمَّا أَصْبَحْتُ شَدَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي رَحْلَهَا وَصِرْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَقِيلَ لِي: قَدْ سَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَصِرْتُ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَعَقَلْتُ نَاقَتِي، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﵌، فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ قَالَ: هَاتِ يَا سَوَادُ بْنُ قَارب فَقلت:
أَتَانِي رئيي بَعْدَ هدءٍ ورقدةٍ ... وَلَمْ يَكُ فِيمَا بَلَوْتُ بِكَاذِبِ
ثَلاثَ ليالٍ قَوْلُهُ كُلَّ ليلةٍ ... أَتَاكَ رسولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ
فَشَمَّرْتُ مِنْ ذَيْلِ الإِزَارِ وَوَسَّطْتُ ... بِيَ الذِّعْلِبُ الْوَجْنَاءُ بَيْنَ السَّبَاسِبِ
فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... فَإِنَّكَ مأمونٌ عَلَى كُلِّ غَائِبِ
ةأنك أَدْنَى الْمُرْسَلِينَ وَسِيلَةً ... إِلَى اللَّهِ يَا ابْن الأَكْرَمِينَ الأَطَايِبِ
فَمُرْنَا بِمَا نَأْتِيهِ يَا خَيْرَ مَنْ مَشَى ... وَإِنْ كَانَ فِيمَا جَاءَ شَيْبُ الذَّوَائِبِ
وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شفاعةٍ ... سِوَاكَ بمغنٍ عَنْ سَوادِ بْنِ قَارِبِ
قَالَ: فَفَرِحَ رَسُولَ اللَّهِ ﵌ وَأَصْحَابُهُ فَرَحًا شَدِيدًا.
قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ ﵁ فَالْتَزَمَهُ وَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: لقَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ هَذَا الْخَبَرَ مِنْكَ، فَأَخْبِرْنِي هَلْ يَأْتِيكَ رَئِيُّكَ الْيَوْمَ؟ قَالَ: أَمَا مُنْذُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى فَلا، وَنعم الْبغوض كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْجِنِّ.
قَالَ القَاضِي: قَدْ رُوِّينَا خبر سَواد بْن قَارب هَذَا من طُرُق عِدَّة، وَفِي بعض أَلْفَاظه اخْتِلاف، ومعانيها مُتَقَارِبَة، وَقَوله: فارْحل إِلَى الصفوة من هَاشِم: صفوة الشَّيْء: خِيارُه وأخْلصه، يُقَالُ: هَذِهِ صَفْوة الْمَتَاع وصِفوته، وَالْكَسْر أفْصح اللُّغَات فِيهِ، فَإِذا نزعت الْهَاء فِيهِ، فَقِيل: هَذَا صَفْوُ الشَّيْء بِالْفَتْح لَا غَيْر.
وَقَوله: الذعلِبُ: السَّريعةُ، والوَجْنَاءُ: صفةٌ لَهَا بغلظ الوَجْنة وسَعَتها وَهُوَ من عَلَامَات النجابة.
وَفِي هَذَا الْخَبَر: مَا دلَّ عَلَى نُبُوَّة النَّبِيّ ﵌، وصِحة دَعوته، وَهُوَ أحدُ الْأَخْبَار الَّتِي تقدَّمت بالتبشير برسالته، والإشارةُ إِلَى صفته، والإيماء إِلَى نجومه ومخرجه، وَهُوَ بابٌ واسعٌ كَبِير جدا يُتْعب إحصاؤه، وَقَدْ ضمنته العلماءُ كتبَهُمْ وأخْبارهم.
وَقَوله فِي هَذَا الْخَبَر: بَيْنَ السَّباسِب، وَهِي الأفضية الواسعةُ من الأَرْض، وَهِي مَا كَانَ مِنْهَا قَفْرًا أملس، وَاحِدهَا سَبْسَب، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
نعم قَدْ تركناهُ بأرضٍ بعيدةٍ ... مُقيمًا بهَا فِي سبسبٍ وأَكَامِ
1 / 226