فلما نظر بعض من حضر وعرف هذه القضية منى، بلغ من تعجبهم أنهم لم يحتاجوا منى إلى قضية ثانية فى الاستدلال على حذقى بمعرفة النبض. فأما زوج تلك المرأة، فلأنه كان بهيميا لم يعجب من ذلك البتة. وحضرنى عند مرضى كثير وقد قضيت باليوم الذى يكون به البحران وما الطريق الذى يكون به، فما حمد شيئا من ذلك. فهؤلاء البهائم ولو بلغ من يسارهم أكثر مما بلغه كاميدس وقروسس، ولو عظم شأنهم حتى يستولوا على المدن والأمم بأسرها، أو يحظوا من السلطان بغير ذلك مما هو أكثر منه، لن يقدروا على امتحان الأطباء. وأما من كانت معه طبيعة ذكاء وفطنة وكان له تفقد للأمور، فإن قصد لمحنة الأطباء لم يعيه ذلك. وذلك أنه يتفكر أولا فيعلم أن بعض الأمراض قوية وبعضها ضعيفة، وبعضها سليمة وبعضها خبيثة. ويسأل كل واحد من الأطباء على حدته عن الدلالات التى يستدل بها على قوة الأمراض وضعفها، وسلامتها وخبثها. فيجد بعضهم لا يقدر أن يصف تلك العلامات بالكلام، فضلا عن أن يعرفها فى كل واحد من المرضى. ثم إنه بعد ذلك يروم أن يمتحن أولئك الأطباء بالفعال، فينظر إن كان معهم حذق بسرعة تعرف ما أحسنوا وصفه بالكلام. ويضع عن نفسه مؤونة امتحان من لم يقدر على وصف تلك العلامات بالكلام. وقد يكتفى أكثرهم بما وصفت من هذه الأشياء فيما قصدت إليه.
وإنى أقدر ان آتى بعلامات أخر كثيرة يستدل بها على حذق الطبيب. إلا أنى كرهت التطويل فرأيت أن أقطع كتابى هذا فى هذا الموضع، بعد أن أضيف محنة أصحاب البط والعلاج بالحديد إلى ما وصفت. ولست أحتاج فى ذلك إلى كلام كثير، لمشاركة هذا الطريق للطريق الأول الذى وصفته.
١٤
صفحه ۱۳۴