45
وإذا لم يكن في استطاعتي أن أتصور كيف يمكن لأية لذة أن تنقسم، فإنني لا أستطيع أن أتصور أي جزء من لذة أعظم يكون مساويا للذة الأقل.
غير أن السؤال يظل قائما وهو: كيف يمكن أن نفكر في لذتين بألفاظ «الأعظم شدة»، و«الأقل شدة»، ما لم يكن لدينا فكرة محددة عن معنى «الشدة المتساوية»؟ ما الذي يجعلنا بالضبط نحكم على إحدى اللذات بأنها أعظم من الأخرى؟ الجواب هو أنه كلما كثرت الحالات النفسية التي يحدثها وجدان معين، عظم ظهوره، فاللذة الأعظم تخترق عددا واسعا من العناصر النفسية. وحين نكون في حالة لذة فإن نظرتنا للكل المحيط بنا تتغير - فيما يبدو - تغيرا جذريا. والموضوعات الواحدة لا تؤثر فينا بطريقة واحدة، فالذكريات الواحدة قد تنقل إلينا وجدانات مختلفة، ولا تتطلب حركاتنا بذل جهد واحد بعينه، وهكذا تتغير حالاتنا النفسية من حيث الكيف. لكن عدد الحالات النفسية التي تتأثر يمكن أن يزداد أو ينقص في حالات اللذة المختلفة؛ ففي مناسبة من المناسبات يمكن لحالة من حالات اللذة أن تصبغ بلونها جميع الحوادث النفسية طوال اليوم، وفي مناسبة أخرى يمكن أن تستغرق فحسب بضع ساعات قليلة، وعلى الرغم من أن الفرق بين الحالتين هو أساسا فرق في عدد الأحداث النفسية، فإنه مع ذلك فرق في الكيف لا يمكن أن نشير إليه عدديا وهذا هو السبب في أننا نعرف تماما أن لذة معينة أعظم من لذة أخرى، دون أن نحسب بدقة مقدار الزيادة بألفاظ من وحدات معينة. (22) (ح-2) يبدو أن الإحساسات والوجدانات لا يمكن حسابها بلغة الأرقام والأعداد. وقل مثل ذلك في نشاطنا، فنحن قد نعزو في غموض بعض الحدود الكمية إلى الانتباه، كما هي الحال مثلا في «التركيز
concentration » أو «الاسترخاء
relaxaton »، ولكن من الواضح أن الإشارة الكمية ترجع إلى الموضوعات التي ننتبه إليها، فموضوع الانتباه هو أحيانا بالغ التعقيد، وأحيانا أخرى أقل تعقيدا، لكن الإحساس هو واحد باستمرار.
وحتى موضوعات الانتباه يمكن الإشارة إليها كميا بمعنى غامض فحسب لهذه الكلمة، لأن الدقة العددية لا يمكن تصورها هنا، خذ مثلا لذلك حالة الإرادة: إن موضوع الانتباه في حالة الإرادة هو فكرة التغيير، وقد تكون لهذه الفكرة تفصيلات كثيرة أو قليلة، كما أن التباين بين الفكرة والوجد قد يكون كبيرا أو صغيرا. لكن ما زلنا نفتقر مع ذلك للقياس الدقيق للهوة بينهما بل إن مثل هذا القياس الدقيق لا يمكن التفكير فيه، ما لم نعتقد أن الفرق بين الاستبداد والديمقراطية - مثلا - هو فرق يمكن قياسه بالأرقام. ودعنا نفترض ذلك الفرض المحال، وهو أن مضمون الانتباه في لحظة معينة يمكن قياسه؛ واضح أن ذلك لا يكون ممكنا إلا في حالة واحدة، هي إذا ما كان الانتباه يوجد على الإطلاق لهذا الموضوع المعين في تلك اللحظة المعينة، لكنا سبق أن رأينا في الفصل الثاني أن الانتباه نشط، أعني أنه يحمل سببه في جوفه
self-caused ، ولو صح ذلك فلن نستطيع التنبؤ بأنه في هذا الوقت أو ذاك سوف ينتبه هذا الفرد المعين إلى ذلك الموضوع المحدد. (23) دعنا الآن نعد إلى الزعم الأصلي: «المذهب الجبري - فيما يتعلق بالإرادة - هو النظرية التي تقول إن إرادتنا تنتمي إلى نسق حتمي معين» و«يكون النسق حتميا حين تتعلق معطيات معينة مثل: م
1 ، م
2 ... م ن في لحظات ل
1 ، ل
صفحه نامشخص