129

Fact

هي دائما في صيرورة، ودائما في تغير، بمعنى الخلق المتصل لشيء جديد، وهذا يصدق في آن واحد على العالم وعلى أفراد الموجودات الحية. والفكرة الرياضية عن اللامتناهي في الصغر

infinitesimal

تزيل مفارقة أن يكون الشيء هو نفسه ومع ذلك فهو آخذ في النمو والتحول إلى شيء آخر، مفارقة الهوية التي لا يمكن أن تبقى إلا من حيث محافظتها على التغير. وأي تصور لواقع ثابت هو تصوير سيئ للمجرى المتغير الحقيقي للطبيعة والحياة. فالوجود الحي هو في حركة متصلة، ومحاولة فهم الحياة عن طريق التصورات يعني إيقاف هذه الحركة، وهناك حقيقة في الملاحظة التي تقول إننا نعيش المستقبل ونفهم الماضي، والتصورات الثابتة بوصفها آراء قيلت بعد أن تمت الواقعة هي تصورات تراجعية وارتدادية.

retrospective and post mortem.

والمفارقة التي يتضمنها الافتراض القائل بأن هناك علما سابقا بالمستقبل. وأن هناك - في نفس الوقت - جدة حقيقية تخلق في المستقبل، يمكن فقط أن تزول لو أننا قطعنا الأطراف غير الحقيقية لكليهما، بحيث نبقي فقط على الأطراف الحقيقية فيهما. والأطراف غير الحقيقية فيهما هي الكمال الذي لا يمكن أن يتغير، الوجود المطلق الأبدي الذي يشمل الماضي والحاضر والمستقبل جميعا. فإذا كان المطلق واقعة حقيقية، فلا بد أن يكتفي بذاته

self-sufficient ؛ أي إنه إذا كان واقعة فهو لا يمكن أن يتطور ولا أن يعمل.

والكون الذي نعيش فيه ليس كاملا، وبسبب عناصر النقص ذاتها يستمر في عملية خلق صور جديدة لكي يتحرك نحو الكمال. فالوجود الكامل هو في حالة تكوين ولا يمكن أن يكون مصنوعا أو معدا أبدا، وعملية تكوينه تتجلى في الابتكار الخلاق لأفراد الموجودات الحية.

إننا نعيش في عالم الأفعال والمعاناة، في عالم النجاح والفشل، في عالم الحب والكراهية، عالم الحاجات والرغبات والآمال. أما إذا نظرنا إلى العالم على أنه مطلق، فلن يوجد فيه شيء من هذا القبيل، لأن هذه الأمور جميعا تنتمي إلى العالم النسبي، حيث توجد خبراتنا وتجاربنا المتناهية. نحن نعيش في عالم لا يوجد فيه شيء ساكن، بحيث لا يكون له تاريخ، في حين أن العالم لو كان مطلقا؛ فلا بد أن يكون بلا زمان وبلا أي تاريخ: «حيث يأخذني المطلق ... أظهر مع كل شيء آخر في مجال معرفته الكاملة، وكلما أخذت نفسي، أظهر بدون معظم معرفته «أي معرفة المطلق». ومن جهلي، فالجهل يفرخ لي: الخطأ، والتعجب، وسوء الطالع، والألم، فأعاني من هذه النتائج، والمطلق يعرف بالطبع هذه الأشياء؛ لأنه يعرفني ويعرف آلامي، لكنه هو نفسه لا يتألم. وهو لا يمكن أن يكون جاهلا؛ لأن معرفته بكل سؤال تسير متأنية مع معرفته بكل جواب. وهو لا يمكن أن يكون صبورا؛ لأنه لا ينتظر شيئا، فكل شيء موجود لديه دفعة واحدة. وهو لا يمكن أن يندهش، كما أنه لا يمكن أن يكون مذنبا. ولا يمكن أن تقال عليه صفة ترتبط بالتتالي، لأنه كلي الحضور وهو ما هو عليه على الدوام.»

50

صفحه نامشخص