58
وأخيرا فإن من يعجز عن ضبط رغباته وكبح جماحها خشية القانون، فإنه يعجز - مع أنه لا بد من أن يعذر لضعفه - عن الاستمتاع بصفاء الذهن، ومعرفته الله ومحبته، لكنه لا بد بالضرورة أن يهلك.»
59
وأنا أتفق مع وجهة نظر اسبينوزا بقدر ما تذهب إلى أن العقاب والمكافأة بالمعنى الحقيقي لهاتين الكلمتين، هما نتيجتان ضروريتان لأعمال الفاعل، التي هي بدورها المحصلة الضرورية لطبيعته؛ فالعقاب والمكافأة لا يحددان - كما يزعم الفيلسوف الجبري - السلوك المقبل للفاعل. لكنهما يحددان نتيجة سلوكه في الماضي. والعقاب والمكافأة من ناحية أخرى لا يحتاجان إلى فرضهما على الفاعل من سلطة خارجية، بل على العكس، لا بد أن يفرضهما الفاعل على نفسه
Self-Imposed .
ولكن وجهة النظر التي يأخذ بها هذا البحث تختلف عن وجهة النظر التي تنسب عادة لاسبينوزا، وهذا الاختلاف يكمن في أن البحث الحالي لا ينظر إلى طبيعة الفاعل على أنها معطاة ومقدرة سلفا، لأن طبيعة الفاعل - إلى حد معين - من صنعه. (30) حين نقول للفيلسوف الجبري: إنه بناء على وجهة نظرك، فإنه لا يمكن أن يكون هناك وجود لكلمة «ينبغي»؛ لأن هذه الكلمة تتضمن كلمة «أستطيع»، وكلمة «أستطيع» تعني الاختيار، فإنه قد يسمح بمعنى واحد فقط تتضمن فيه كلمة «ينبغي» كلمة «أستطيع»، فهو قد يقول إن الإنسان مقيد أخلاقيا فحسب بأن يفعل «ما في قدرته»، وما «يستطيع الإنسان أن يمسك عنه» هي تلك الموضوعات التي تخضع للعقاب أو الإدانة الأخلاقية. لكنه يفسر كلمة «يستطيع» وعبارة «ما في قدرته» بأنها تعني فحسب غياب جميع العقبات التي لا يمكن التغلب عليها، ما عدا الحاجة إلى باعث كاف
60
لكن إذا كان الفيلسوف الجبري يوافق على أنه يمكن أن تكون هناك حالة يستطيع فيها الفاعل أن يمتنع عن فعل شيء ما، أفلا يعني ذلك أن نظريته ليست مقنعه بما فيه الكفاية بحيث تشمل جميع الحالات الممكنة؟
الفصل السادس
المذهب الجبري: إمكان التنبؤ
صفحه نامشخص