وهذا كله باطل وطرد هذا القول يجر إلى شر من أقوال اليهود والنصارى فإن اليهود والنصارى يميزون في الجملة بين أمور منكرة كما يميزون بين الصدق والعدل وبين الكذب والظلم وهؤلاء إذا شهدوا القيومية العامة لم يميزوا بين المعروف والمنكر ولا بين الصدق والكذب والعدل والظلم فهم في هذا النفي لا يثبتون بل يميزون تمييزا طبيعيا لا شرعيا فيفرق أحدهم بين ما هواه وبين ما لا يهواه فيطلب هذا وينفر عن هذا ويمدح من وافق غرضه ويذم من خالف غرضه ولهذا كان هؤلاء نهاية سلوكهم هو الفناء والجمع والاصطلام لا يحبون ما أحب الله ولا يبغضون ما أبغض الله فإن الإرادة والمحبة والرضى سواء عندهم كما تقوله القدرية من المعتزلة وغيرهم لكن أولئك قالوا لا يحب الكفر والفسوق والعصيان فلا يريده فيكون ما يقع من ذلك بدون مشيئته وقدرته فيكون ما لا يشاء ويشاء ما لا يكون
وقال هؤلاء هو أراد الكفر والفسوق والعصيان فهو يحب ذلك ويرضاه وإن كان لا يريده دينا بل يريد تنعيم من أطاعه وتعذيب من عصاه
ثم قال هؤلاء هذا الفرق يعود إلى حظوظ أنفسهم فالعارف الفاني عن حظوظه في شهود قيوميته لا يستحسن حسنة ولا يستقبح سيئة ثم قالوا والأنبياء والصديقون يقومون بالفرق لأجل العامة رحمة بهم
وهذا عندهم من التلبيس الذي أمرت به الخاصة وهم يبطنون خلاف ما يظهرون فإنه يكون الجمع في قلوبهم مشهودا والفرق في ألسنتهم موجودا فالقائم بالفرق عندهم لا يكون إلا واقفا مع حظه ملبسا بإيمانه لأجل غيره إذا لا فرق بالنسبة إلى الله تعالى عندهم
صفحه ۳۵۵