ثم التفت إلى سليمان وقال له: «إنكم من أهل هذه المدينة، ونجاتها تهمكم أكثر مما تهمني، ولكني أؤكد لك يا أخي أن فرح أهل دمشق كافة لا يوازي فرحي بحبوط مسعى هؤلاء المماليك!»
وسكت وقد ملأت الدموع عينيه، فلم يجرؤ سليمان على مخاطبته وبقي صامتا يتأمل حركاته، ثم عاد عبد الرحمن إلى الحديث فقال: «اعذرني يا أخي إذا رأيت في هذا الضعف؛ لأن هؤلاء المماليك نغصوا عيشي وشتتوا شملي واغتصبوا أملاكي وأموالي وأبعدوا عني ولدي.»
واغرورقت عيناه بالدمع.
فتعجب سليمان، وود لو يقف على تفصيل ذلك فقال: «لا شك في أن هؤلاء القوم قد أمعنوا في الظلم والفساد، ولسوف ينالون جزاء أعمالهم، ولكن هلا أطلعتني على تفصيل أمرهم معك لعلي أستطيع مساعدتك؟»
فأراد عبد الرحمن الكتمان، ثم رأى أن في الإدلاء بقصته إلى صديقه الدمشقي ما قد يفرج كربه، فتنهد وقال: «آه يا أخي! لقد كنت أوثر كتمان هذا الأمر، ولكنني آنست منك مروءة وإخلاصا فملت إلى الشكوى إليك؛ تمثلا بقول القائل:
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة
يواسيك أو يسليك أو يتوجع»
وقص عليه حكايته من أولها إلى آخرها، فلما انتهى من ذلك قال سليمان: «والله إن حكايتك لمما يتفطر له القلب، فهل أنت مؤمل أن تجد ولدك هنا؟»
قال: «لولا الأمل ما تجشمت الأخطار ومشاق الأسفار.»
قال: «إذن هيا ننزل إلى المدينة لعل الله أن يفتح لنا باب الفرج أو يأتينا بأمر من عنده.»
صفحه نامشخص