فضحك الكاتب الأول متطرفا وقال له: «أنت رجل لطيف يا سيد عبد الرحمن.» ثم نظر إلى قطعة من الحرير الثمين كانت بين السلع المعروضة في المتجر وقال: «بكم تبيع هذه القطعة؟ ... إنها تصلح قباء (قفطانا) لي.»
فقال: «هي لك يا سيدي وقد وصل ثمنها.» ثم أمر بعض عمال المتجر بإحضار قطعة مماثلة، وقدم القطعتين للكاتبين متأدبا وهو يقول: «إنه لشرف عظيم أن تحوز بضاعتي إعجاب رجال الحكومة.» فأخذا القطعتين وانصرفا مشيعين بكل احترام.
وكانت الشمس قد أوشكت أن تغرب، فعجل السيد عبد الرحمن بإنجاز ما لديه من أعمال ضرورية مثل كتابة الخطابات للعملاء ومراجعة حساب البيع والشراء في ذلك اليوم. كما أعاد ترتيب السلع في المتجر. ثم هم بإغلاق المتجر والعودة إلى منزله قبل أن يسود الظلام، ويتعرض لأخطار الطريق؛ إذ كانت الطرقات والأسواق في ذلك الحين لا تضيئها سوى بعض المصابيح الضعيفة الخافتة الضوء، معلقة على أبواب الحارات وبعض المنازل.
وفيما هو يغلق المتجر، جاءه بواب الوكالة مهرولا يقول: «لقد عاد الجابي يا سيدي!»
فأجفل واستعاذ بالله من شر هذه العودة، وأخذ يلعن سوء الحظ الذي جعله يحترف التجارة وأطمع فيه أولئك الحكام الذين لا يرحمون.
وبعد قليل وصل الجابي، فإذا به يترنح من فرط سكره، وقد أمسك خنجره بيده. ومن خلفه رفيقاه في مثل حاله. فهم السيد عبد الرحمن بالفرار من وجوههم، لكنه خشي أن يدركوه ويقتلوه، فآثر البقاء وترامى على يد الجابي يهم بتقبيلها متذللا متضرعا، فدفعه هذا بقوة وانتهره قائلا: «أهكذا تهرب من دفع مال الميري يا خائن؟» وأخذ يكيل له أفحش ألفاظ الشتم والسباب، ويهدده بالخنجر الذي في يده.
فجثا السيد عبد الرحمن بين يديه، وهم بتقبيل قدميه وقال: «إني عبدكم يا سيدي، وهذا هو حانوتي بين أيديكم فخذوا منه كل ما تريدون، فأنا رهن إشارتكم.»
فقال الجابي وهو ما زال يترنح: «حسنا، إذن هيا ادفع المطلوب منك، وإياك أن تعود إلى مثل ذلك التهرب.»
فسارع إلى إحضار الأكياس الأربعة التي اقترضها، ودفعها له ومعها «حق الطريق» لكل منهم. وهو يدعو لهم بطول العز والبقاء.
فقهقه الجابي الثمل مغتبطا وقال: «حسنا. حسنا. يلوح لي أنك رجل عاقل حسن التصرف.» ثم أغمد الخنجر وأعاده إلى موضعه في منطقته، وهم بالانصراف.
صفحه نامشخص