ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة لحصول المرة الثالثة كما هي في شرعه صلى الله عليه وسلم في الطهارة.
قلت: وهذه الحكمة من أعظم الحكم وألطفها وأدقها، وحقها أن تكتب بماء الذهب على صفحات القلوب لارتفاع محلها.
ثم قال شيخ الاسلام:
وهذا الذي ذكر من شق الصدر واستخراج القلب مما يجب التسليم له، ولا يصرف عنه حقيقته لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك.
قلت:والأمر كذلك ويؤيده الحديث الصحيح أنهم كانوا يرون أثر المخيط في صدره الشريف، وما وقع من بعض جهلة العصر من إنكار ذلك وحمله على الأمر المعنوي وإلزام قائله القول بقلب الحقائق الممتنع، فهو جهل صريح، وخطأ قبيح، نشأ من خذلان الله تعالى لهم، وعكوفهم على العلوم الفلسفية وعدم إحاطتهم بالقدرة الربانية، وبعدهم عن دقائق السنة، عافانا الله من ذلك.
قال ابن المنير:
وشق الصدر له صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصبره عليه من جنس ما ابتلي به الذبيح وصبر عليه، بل هذا أشق وأجل لأن تلك معاريض وهذه حقيقة، وأيضا فقد تكرر ووقع له وهو رضيع يتيم بعيد عن أهله عليه الصلاة والسلام، وقد اختلف هل كان شق الصدر وغسله مخصوصا به أو مقع لغيره من الأنبياء.
الثالثة: الحكمة في انفراج سقف بيته الاشارة الى ما سيقع من شق صدره وأنه سيلتئم بلا معالجة.
الرابعة: الحكمة في اختصاص الطست أنه أشهر آلات الغسل عرفا. والذهب لأنه أغلى أنواع الأواني وأصفاها، ولأن فيه خواص ليست في غيره منها أنه من أواني الجنة، وأنه لا تأكله النار ولا التراب ولا يصدأ، وأنه أثقل الجواهر فناسب ثقل الوحي.
وقال السهيل وابن دحية:
إن نظر الى لفظ الذهب ناسب من جهة إذهاب الرجس عنه، ولكونه وقع عند الذهاب الى ربه وإن نظر الى معناه فلوضائته ونقائه وصفائه ولثقله والوحي ثقيل وأما تحريم استعماله فهو مخصوص بأحوال الدنيا وذلك كان من أحوال الغيب فيلتق بأمور الآخرة.
صفحه ۴۰