21
أخذ الناس يدركون الآن أن أوروبا في القرون الوسطى مدينة للحضارة العربية التي اغترف من مناهلها المسلمون واليهود والنصارى على السواء، أخذ الناس الآن يفهمون أن العلوم الطبيعية والقوانين الأساسية في الفلسفة والرياضيات وعلوم العمران كانت تستمد روحها في زمن النهضة والإصلاح من ذلك المنهل العذب ألا وهو الحضارة العربية، وصار علماء العصر كلما تعمقوا في دراسة هذه الحضارة أدركوا أثرها البليغ في حضارة اليوم، وكشفوا مئات الكلمات الداخلة في اللغات الأوربية من أيام تلك الحضارة إلخ.
تأثر اللغات الشرقية بالعربية
هذا ما تأثرت به اللغات الأوربية المجاورة للعربية أيام بهائها، وذلك بقوى دولها والروح الساري من حضارتها، بقي الكلام على تأثر اللغات الشرقية بها؛ فمن أهم اللغات التي تأثرت بها اللغة الفارسية،
22
مع أنها كانت لغة حضارة راقية، وربما كان نحو نصف ألفاظها اليوم عربيا، ومثل ذلك يقال في اللغة العثمانية أو التركية على اختلاف لهجاتها كالقرقز وايغر وقفجاق وبشغرت وجغطاي. وتأثرت بالعربية اللغة الأوردية ولغة الملايو، أي الجاوية، واللهجة الأفغانية ولغات السودان المصري واللغات البربرية في إفريقية.
واللغة العربية اليوم في السنيغال هي لغة المسلمين، وتعتمد بقية اللغات الوطنية على الحروف العربية في كتابة لغتها،
23
وهي شائعة في السودان الفرنسي وفي شاطئ العاج، ويعتمدون في النيجر على الحروف العربية، وذلك في التجارة وكتابة اللغات المحلية ، ويعتمد غير المسلمين في ليبريا على الحروف العربية في تدوين لغاتهم، وهكذا في نيجيريا الشمالية تدرس العربية في المدارس الابتدائية، واللغات الوطنية تكتب بحروف عربية، والعربية منتشرة في أقاليم الشاد وجيبوتي والحبشة، وأهل هذه الديار من المسلمين يتكلمون في العادة لغتين، ويعتمد معلمو يوجوسلافيا على الحروف العربية في كتابة اللغة الصربية والتركية، وجميع علماء قازان والقريم يتكلمون العربية، وكذلك علماء كرجستان وطاغستان وشركسستان، واللهجات المحلية في أفغانستان تكتب بحروف عربية، وتستعمل العربية في سيام قليلا، ويستخدم مسلمو الفيليبين العربية لتدوين لغتهم. والعربية تدرس في جميع مدارس المسلمين في الهند، ولها سوق رائجة في جامعة عليكرة في شمالي الهند، وفي مملكة حيدر آباد الدكن، وكذلك الحال في بلاد إيران.
وفي كتاب لغات العالم أن العربية كانت لغة الكتابة عند الشعوب القليلة التمدن، كما كانت لغة شعوب إسلامية كتبوا بها لغتهم، وقد حملت العربية من الألفاظ الدينية والعلمية ما لا يحصى عدده، دخلت في التركية والفارسية وغيرهما، وإذا أراد الزنوج المسلمون في إفريقية ممن خرجوا عن الأمية أن يدونوا شيئا فيكتبونه بالعربية، وهم لا يتكلمونها في كل مكان، ولكنهم اتخذوا من العربية المكتوبة لغة علمية ولغة تراسل، يقول داربر: من الخطأ والخطل أن ينسب تقدم الإسلام إلى السيف وحده، وقد يستطيع السيف أن يغير عقيدة قوم، ولكنه لا يملك التأثير في ضمائر الأفراد وأفئدتهم، وإن عاملا أقوى من السيف، وسببا أشد تأثيرا من الخوف، صحبا الإسلام فأخذ يتغلب على الحياة الخاصة والعامة في آسيا وإفريقية، وساعد ذلك على انتشار اللغة العربية في أمم شتى تكاد لا تحصى. ا.ه.
صفحه نامشخص