ومعلوم أن العرب استولوا على إقليم سبتمانيا في الجنوب الغربي من فرنسا على ساحل البحر المتوسط، وعلى مدينة ناربون وجعلوها قاعدة أعمالهم البحرية، واستولوا أيضا على مدينة قرقشونة ونيم وأتون وبون وسانس وأفينيون وبوردو، ثم استولوا على مرسيليا وأرل وعلى إقليم بروفنسيا ووصلوا إلى بواتيه على 332 كيلو مترا من جنوبي غربي باريز، ووقف العرب في إقليم سبتمانيا حيث أقاموا مراكز دائمة، وعقدوا عهودا مع أهل البلاد، وأدخلوا كثيرا من ألفاظهم في الاصطلاحات اليومية.
قالوا: وبينا كان التوحش ضاربا أطنابه
18
على غاليا، أي فرنسا، وعلى جرمانيا، كان العرب قابضين على زمام الأحكام في جنوبي فرنسا من جبال البرينات إلى جبال الألب، يحملون من مستعمراتهم إلى برغونيا وسويسرا في الشمال، وإلى التيرول ولمبارديا في الجنوب، ما تعلموه من العلوم في مدارسهم، وفي ذاك العهد انتقلت إلى الغرب عادة استعمال الأرقام العربية والكسور العشرية، وبقيت أسماؤها مع ما لحقها من التعديل عربية صرفة، وجاءت التعابير النادرة إلى اللغة الفرنسية من اللغة العربية أكثر من اللاتينية، وإن كان في الفرنسية على عهد أول نهضتها لفظة واحدة يونانية مقابل خمسمائة لفظة لاتينية، فمن العدل أن يقال: إنه كان مثل ذلك من اللغة العربية، فأخذ الفرنسيس
19
نحو تسعمائة كلمة من العربية وأدخلوها في معاجمهم واستعمالهم، ومنها ما دخل لغتهم في الحروب الصليبية.
وقد حدث للغة الفرنسية وآدابها
20
في عهد الصليبيين ما يحدث في مثل هذه الأحوال على قاعدة مطردة، وهو أن لغة الأمة التي استفاضت مدنيتها يؤثر أهلها في غيرهم، وكان الشرقيون ولا سيما العرب واليونان أكثر الأمم تمدنا بلا مراء على ذاك العهد، وقد تعلم قليل من العرب والترك والكرد لغة الفرنج، وهذا عدا بعض التراجمة الرسميين، وتعلم على العكس كثير من الصليبيين لغة الوطنيين عقبى وصولهم إلى فلسطين، ولا ريب أن مجاورة المدنية الإسلامية قد ساعدت على زيادة النفوذ الذي كانت العلوم العربية والفنون العربية تؤثرها في الإفرنج منذ زمن طويل ، وجاء في تاريخ اللغة الفرنسية وآدابها بعد إيراد ما تقدم: ومعلوم ما تدين به لهذا التأثير علوم الفلسفة والرياضيات والفلك والملاحة وتركيب النيران الصناعية والطب والكيمياء حتى فن الطبخ، فقد أخذنا عن العرب أشياء كثيرة من مثل طريقة الأرقام وشروح أرسطو حتى حمام الزاجل والرنوك وأدوات الموسيقى والأزياء والألبسة والأزهار والبقول، وإذا حدث أن ما نقل لم يسم باسم المدينة الشرقية المأخوذ عنها، مثل ثوم عسقلان وكساء دمشق، فإن غيرها قد احتفظت بأسمائها العربية مع بعض التحريف، وهي كثيرة ويتألف منها في الفرنسية مجموع كبير في الجملة. ا.ه.
وقال يهودا من جامعة مجريط:
صفحه نامشخص