فيها في بعض المرات ويتركها ليعلم بفعله ذلك أنها غير واجبة، كما فعل ابن عباس في ترك الأضحية. ا. هـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في فتواه أن ليس للجمعة راتبة قبلية ما نصه: الأذان الذي على المنائر لم يكن على عهد رسول الله ﷺ ولكن عثمان أمر به لما كثر الناس ولم يكن يبلغهم الأذان حين خروج الإمام وقعوده على المنبر. ويتوجه أن يقال هذا الأذان الثالث لما سنه عثمان واتفق عليه المسلمون صار أذانًا شرعيًّا وحينئذ فتكون الصلاة بينه وبين الأذان الثاني جائزة حسنة١ وليست سنة راتبة كالصلاة قبل المغرب. وحينئذ فمن فعل ذلك لم ينكر عليه ومن ترك ذلك لم ينكر عليه، وهذا أعدل الأقوال وكلام الإمام أحمد عليه. وحينئذ فقد يكون تركها أفضل إذا كان الجهال يعتقدون أن هذه سنة راتبة أو واجبة فتترك حتى يعرف الناس أنها ليست سنة راتبة ولا واجبة، لا سيما إذا داوم الناس عليها فينبغي تركها أحيانا حتى لا تشبه الفرض كما استحب أكثر العلماء "يعني المالكية والحنفية والحنابلة" أن لا يداوم على قراءة السجدة يوم الجمعة مع أنه قد ثبت في الصحيح أن النبي ﷺ فعلها؛ فإذا كان يكره المداومة على ذلك فترك المداومة على ما لم يسنه ﷺ أولى، وإن صلاها الرجل بين الأذانين أحيانا لأنها تطوع مطلق أو صلاة بين أذانين كما يصلى قبل العصر والعشاء لا لأنها سنة راتبة فهذا جائز، وإذا كان رجل مع قوم يصلونها فإن كان مطاعًا إذا تركها وبين لهم السنة لم ينكروا عليه بل عرفوا السنة فتركها حسن وإن لم يكن مطاعًا ورأى أن في صلاتها تأليفًا لقلوبهم إلى ما هو أنفع أو دفعًا للخصام والشر لعدم التمكن من بيان الحق لهم وقبولهم له ونحو ذلك فهذا أيضًا حسن. فالعمل الواحد يكون مستحبًّا فعله تارة وتركه تارة باعتبار ما يترجح من مصلحة فعله وتركه بحسب الأدلة الشرعية، والمسلم قد يترك المستحب إذا كان في فعله فساد راجح على مصلحة، كما ترك النبي ﷺ بناء
_________
١ قلت: فيه نظر بينته في رسالتي "الأجوبة النافعة" ٢١/ ٣٣. "ناصر الدين".
1 / 24