١١- اجتناب العالم ما يتورط بسببه العامة:
هذا باب من أبواب الدين موضوعة إصلاح المعتقدات في العبادات، وتنبيه العامة على حكم ما ألفوه من العادات. وقد سبق للعمل بهذا الباب علماء الصحابة وساسة الخلفاء الراشدين، ورأوه من المراشد الصالحة، والمناهج السامية؛ ثم نبه عليه حكماء العلماء.
قال الإمام أبو شامة في كتاب "الباعث": لا ينبغي للعالم أن يفعل ما يتورط العوام بسبب فعله في اعتقاد أمر على مخالفة الشرع. وقد امتنع جماعة من الصحابة من فعل أشياء إما واجبة وإما مؤكدة خوفا من ظن العامة خلاف ما هي عليه: قال الشافعي رحمة الله تعالى عليه: وقد بلغنا أن أبا بكر الصديق وعمر ﵄ كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما فيظن من رآهما أنها واجبة. وعن ابن عباس أنه جلس مع أصحابه ثم أرسل بدرهمين فقال: اشتروا بهما لحمًا ثم قال: هذه أضحية ابن عباس. قال الشافعي: وقد كان قلما يمر به يوم إلا نحر فيه أو ذبح بمكة قال: وإنما أراد بذلك مثل الذي روي عن أبي بكر وعمر ﵄، وعن أبي مسعود الأنصاري قال: "إني لأترك أن أضحي كراهية أن يرى جيراني وأهلي أنه علي حتم".
أخرجهن الحافظ البيهقي في "كتاب المعرفة"١.
قال أبو بكر الطرطوشي: انظروا رحمكم الله فإن لأهل الإسلام قولين في الأضحية، أحدهما: سنة، والثاني: واجبة، ثم اقتحمت الصحابة ترك السنة حذرًا من أن يضع الناس الأمر على غير وجهه فيعتقدوها فريضة.
_________
١ قلت: وأخرجها أيضًا في "السنن الكبرى" "٩: ٢٦٥"، وأسانيدها صحيحة عنهم، وقد صح الأمر بالأضحية في "الصحيحين" وغيرهما عن النبي ﷺ، بل ثبت عنه أنه قال: "من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا"، فلعلهم لم يبلغهم ذلك أو بلغهم، ولكنهم تأولوا الأمر على الاستحباب، ولكن الحديث الأخير لا يساعد على ذلك فتأمل.
1 / 21