اشتقاق اسماء نطق بها القرآن

ابن عزیر سجستانی d. 330 AH
15

اشتقاق اسماء نطق بها القرآن

كتاب معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن وجاءت بها السنن والأخبار وتأويل ألفاظ مستعملة

ژانرها

في مسائل كثيرة مشهورة عند أهل النقل (¬4) 0 ... ونحن ذاكرون في كتابنا هذا بعون الله وتوفيقه معاني أسماء ، واشتقاقات ألفاظ وعبارات عن كلمات غريبة ، يحتاج الفقهاء إلى معرفتها ، ولا يستغني الأدباء عنها ، وفي تعلمها نفع كثير، ونبدأ بذكر أسماء الله تعالى وصفاته ، وذكر معانيها ، وما يجوز أن يتأول منها ، ثم نتبع ذلك بذكر أسماء لها ذكر في الشريعة ، فنذكر معانيها واشتقاقاتها ؛ لأن أرفع درجات العلماء ، وأجل مراتب الأدباء ، معرفة أسماء الأشياء ، والعلم بحقائقها ، فإن الله تعالى أظهر فضيلة آدم بأن علمه [الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين 0 قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ] (¬1) وإنما صار الفضل في معرفة أسماء الأشياء ؛ لأن كل شيء يعرف باسمه ، ويستدل عليه بصفته ، والصفة تقوم مقام / الاسم ، وتكون خلفا منه ، والله تعالى يعرف بأسمائه ، 9ب وينعت بصفاته ، ولا درك للمخلوقين إلى غير ذلك ، وصفاته أسماؤه ، كقولك : الرحمن الرحيم ، هما من صفاته ، وهما أسماؤه ، وكذلك أسماء المخلوقين وصفاتهم ، فكل شيء يعرف باسمه ، ويستدل عليه بصفته من شاهد يدرك ، وغائب لا يدرك ، وربما يدعى الشيء باسم لا يعرف اشتقاقه من أي اسم هو ، بل يكون مصطلحا عليه ، قد خفي على الناس ما أريد به ، ولأي شيء سمي بذلك الاسم ، كقولك : الفرس والحمار والجمل والحجر ، وأشباه ذلك ، ومن الأسماء أسماء مشتقة من معان قد فسرت العلماء اشتقاقها ومعانيها ، كقولك : آدم ، قالوا : إنما سمي بذلك لأنه أخذ من أدم الأرض، والإنس سمي بذلك لظهوره ، والجن لاختفائه ، ويكون اسم بمنزلة الصفة ، كقولك : محمد ، مشتق من الحمد ، والحسن ، مشتق من الحسن ، والحمد والحسن مصطلح عليهما ، وعلى هذا كل اسم مشتق من غيره ، فالأول مصطلح عليه ، والمصطلح عليه لا يجوز أن يكون مشتقا من آخر ، ولا يعرف معناه إلا الله تعالى ، ومن الأسماء ما يجر معنيين ، كقولك : الزكاة ، قالوا : هو من النمو والزيادة ، يقال : زكا الزرع إذا طال ، ويكون من الطهارة ، قال الله : [قد أفلح من زكاها] (¬1) أي طهرها ، ومن الأسماء ما يجر ثلاثة معان أو أكثر ، كقولك : الدين ، يكون الطاعة ، ويكون الجزاء ، ويكون الحساب ، ويكون العادة ، ومن الأسماء ما هي قديمة في كلام العرب ، واشتقاقاتها /10 أمعروفة ، ومنها أسام دل عليها رسول الله صلى الله عليه في هذه الشريعة ، ونزل بها القرآن ، فصارت أصولا في الدين ، وفروعا في الشريعة ، لم تكن تعرف قبل ذلك ، وهي مشتقة من ألفاظ العرب ، وأسام جاءت في القرآن ، لم تكن العرب تعرفها ، ولا غيرهم من الأمم ، مثل : تسنيم ، وسلسبيل ، وغسلين ، وسجين ، والرقيم ، وإتبرق ، سجيل ، وغير ذلك ، وزعم قوم أن في القرآن شيء من ألفاظ العجم ، مثل : طه ، واليم ، والطور ، والربانيون ، والزيتون ، والصراط ، والفردوس ، وغير ذلك ،وأن بعضها بالسريانية ، وبعضها بالرومية ، وبعضها بالفارسية ، وهذا خطأ عظيم ، والصواب في ذلك والله أعلم أن يقال : هذه حروف أصلها أعجمية إلا أنها سقطت إلى العرب ؛ فعربتها بألسنتها ، وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها ، فصارت عربية ، ثم نزل القرآن بها 0 ... ومن أسماء الأنبياء في كتاب الله : إبراهيم ، وإسماعيل ، وموسى ، وعيسى ، إنما هي بالعبرانية ، أو بالسريانية : أبروهم ، وأشمويل ، وميشا ، وأيسوا ، فعربتها العرب ، فهذه الأسماء أعجمية الأصول ، عربية الألفاظ ، فمن قال : إنها أعجمية ، فقد صدق ، ومن قال : إنها عربية ، فقد صدق ، لما ذكرنا ، ومن ذلك : المؤمن ، والمسلم ، والمنافق ، والكافر ، لم تكن العرب تعرفها ؛ لأن الإسلام والكفر والنفاق ظهر على عهد رسول الله ، وإنما كانت العرب تعرف الكافر كافر نعمة ، وتعرف المؤمن من جهة الأمان ، والمنافق فلا ذكر له في لغة العرب ، قال الله في المسلم : / [ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ] (¬1) 10 ب فيجوز أن يكون سماهم بتلك اللغة باسم كان معناه الإسلام ، لأن الله أنزل صحف إبراهيم بالسريانية ، وكان إسماعيل هو الذي تكلم بالعربية ، ولم يوجد اسم الإسلام في كلام العرب ، ولا كان قبل مبعث النبي ، وإنما نزل القرآن بلغة قريش ، وهم من ولد إسماعيل ، فقد دل على أن إبراهيم لم تكن لغته العربية ، وإن الذين سماهم المسلمين إنما هو بلغته ، ومثل ذلك كثيرة في الشريعة ، لا تعرفها العرب على هذه الأصول ، مثل : الأذان ، والصلاة ، والركوع ، والسجود ، لأن الأفعال التي كانت هذه الأسماء لها لم تكن منهم ، وإنما سنها النبي عليه السلام ، وعلمها الله إياه ، وقد كانت الصلاة ، والصيام ، وغير ذلك في اليهود والنصارى ، وكانت اليهودية والنصرانية في العرب ، ويقال : إن المجوسية لم تكن فيهم ، على ما ذكره الرواة ، ورووا إن أول من مجس من العرب حاجب بن زرارة الدارمي (¬2) ، وأهل بيته ، ولم يتمجس أحد منهم قبله غيره 0

صفحه ۴۴