ولصعوبة هذا المقام قال مثبتوا المعاني ليست بعرض، ولا هي هو ولا هي غيره، وقال أهل المزايا: لا توصف بوجود ولا عدم، ولا حدوث ولا قدم، ولا هي شيء ولا لا شيء ، وأهل التعلق قالوا: المرجع بها إلى تعلق مخصوص من القادر والمقدور، والعالم والمعلوم، وصحة أن يقدر ويعلم في حي، وهو قريب من كلام الآل، فعرفت تلاشي الأقوال السالفة وأنها لا تكاد تعقل فضلا عن أن يحكم بها العقل.
قال بعض المحققين: وعندي في ذلك الوقف وهو ترك الخوض في تلك الصفات، والكلام في حقائق تلك السمات، لما ورد من النهي عن التفكر في الذات بالنص، قال رسول الله كما رواه المتكلمون: ((تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لن تقدروا قدره)) ، وهذا يعم التفكر في ذاته وصفاته سواء جعلت تعبيرا أو غير ذلك على وجه التعمق وإدراك الكنه.
وقال علي -عليه السلام-: (من تفكر في غير الذات وحد، ومن تفكر في الذات ألحد).
وقال -عليه السلام-: (العقل آلة أعطيها العبد؛ لاستعمال العبودية لا لإدراك الربوبية).
وكما قال بعض المحققين: إن العجز عن معرفة الله تعالى ذاتا وصفة ضروري؛ لأن كلما لم نشاهد ولا مثل له في الشاهد استحال تصوره، وما استحال تصوره أي العلم به تصورا استحال أن يعرف إلا على جهة الإجمال، وإن تصوره متصور من غير معرفة وقع في الخطأ.
واعلم أن أحدا لم ينب عن الله تعالى كما أنبأ فارض به رائدا وإلى النجاة قائدا، وقد قال أمير المؤمنين علي -عليه السلام- في صفة ملك الموت والعجز عن صفته: (فكيف يصح وصف الإله لمن عجز عن وصف مخلوق مثله، إلى أن قال: هيهات من يعجز عن صفات ذي الهيئة والأدوات فهو عن صفات خالقه أعجز).
صفحه ۳۷