قال الشاعر:
لا تأنسن بقرب من عاشرته فحقيقة الإيحاش في الإيناس
والناس أجناس فلا يهوى امرؤ ألا مشاكله من الأجناس
فهذا هو الوجه الأول، وهو الأسلم والأفضل، ولهذا سلكه كثير من الصالحين مع معرفتهم لفضل الأخوة، وكونها من جملة الشريعة، وليس ذلك إلا لعدم شرائطها وانتقاض روابطها، فصار من السنة ترك هذه السنة كما ذكرناه في الخبر عن سيد البشر، وإنما زالت هذه السنة في الأكثر والأغلب في زماننا هذا ؛ لأنه الوقت الذي آذن فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالغربة، وأحل فيه الانفراد والوحدة.
قال حذيفة: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الغربة. فقال: (خير أمتي أولها المتزوجون، وآخرها العزاب، فإني أحللت لهم الغربة في ذلك الزمان والترهب. فقلت: يا رسول الله والجماعة يومئذ وهي فريضة واجبة ؟ فقال: كونوا كالفارين بدينكم من بلد إلى بلد، فإنه يوشك أن تصلوا في ذلك الزمان في مساجدهم، فلا يكون فيهم مؤمن(1))).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم (سيأتي على أمتي زمان تحل فيه العزلة، ولا يسلم لذي دين دينه، إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق، ومن جحر إلى جحر، كالطير يفر بفراخه، وكالثعلب بأشباله)(2).
وعن حماد بن وافد(3) قال: (أتيت مالك بن دينار، فرأيت كلبا ربطه، فقلت له: لو نحيت هذا الكلب ؟ فقال: هذا خير من قرين السوء).
وعن مالك أيضا قال: (كل أخ وجليس لا تستفيد منه خيرا من أمر دينك ففر منه).
صفحه ۱۵۵