أولهما: أولاهما وأسلمهما وأعلاهما، وهو الاستئناس بالوحدة والانفراد، بدلا من ملائمة الحساد، ومجالسة متشابهي الوداد ، فهذا هو المتجر الحلال، والعذب الزلال ؛ لأنك إذا كنت لا تجد إلا مماذقا(1) في وداده، أو مائلا عن أوداده، أو فاجرا فاسقا، أو خائنا منافقا، فإنك في صحبتهم خاسر، وفي مؤاخاتهم غير ظافر، وأقل أحوالك أن تخف عندك وزن الخيانة والفجور، فتكون من أهل الكفور.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم (مثل القرين الصالح مثل الداري(2) إن لم يحذك من عطره علقك من ريحه، ومثل الجليس السوء كمثل الكير، إن لم يصبك شرره أصابك من دخانه)(3).
نعم هذا إن أسلمك، فأما إن اكتسبت منه طبعه، وأخذت عنه عادته، كنت من الأخسرين الذين خسروا الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.
وعلى هذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الوحدة خير من الجليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة، وإملاء الخير خير من السكوت، والصمت خير من إملاء الشر)(4) وصدق صلى الله عليه وآله وسلم فإن القرين الصالح يكسبك الخير، والقرين السوء يكسبك الشر، والمرء على دين خليله، وهذه كلمة نبوية، فإن يكن القرين زاهدا فهو زاهد، وإن يكن جاحدا فهو جاحد، ولا تدوم صحبة البر والفاجر، والوفي والغادر، بل لابد أن يرجع أحدهما إلى طبع الآخر وعادته، أو يخرج عن صحبته وموادته، فهذا كما أنه لا يجتمع الماء والنار إلا بأن ترجع النار إلى البرودة، أو الماء إلى الحرارة.
وقال مالك بن دينار: (الناس أشكال كأشكال الطير، الغراب مع الغراب، والحمام مع الحمام، وكل إنسان مع شكله).
صفحه ۱۵۴