ایرسالیه حبشیه در روسیه
الإرسالية القبطية الحبشية في البلاد الروسية: نيافة الأنبا متاءوس في بلاد الروس
ژانرها
كان دخولنا إلى الأنتكخانة في الساعة 9 من صباح اليوم المذكور؛ فأولا وجدنا فسحة عظيمة موصلة إلى السلالم، وعلى كل من يمينها وشمالها أودتان لرؤساء هذا المتحف، وعندما يصعد الإنسان في الدور الثاني يجد على شماله غرفة عظيمة يبلغ طولها 12 مترا وعرضها 8 أمتار وكلها مزينة بصور بعض القياصرة وبعض القواد الذين شهد لهم الزمان بالشجاعة في الحروب، ثم دخلنا حجرة من داخل حجرة إلى أن وصلنا إلى ردهة عظيمة ترى فيها على الشمال صندوقا عظيما بداخله صورة إسكندر الأكبر وأمامه جواده الخصوصي وكلباه، وإذا مشى الإنسان قليلا يجد السرج الذي كان يضعه على هذا الجواد المرصع بالجواهر الثمينة، ولربما يبلغ ثمنه عشرة ملايين جنيه؛ إذ فيه نحو ثلاثة كيلوجرامات وأكثر من الألماس خلاف الحجارة الأخرى، وأمام هذا السرج صندوق من الزجاج داخله علب نقود ودخان مختلفة القياس ومرصعة بالجواهر أيضا. وبالجملة فإن هذه الحجرة العظيمة ممتلئة من الألماس والجواهر المختلفة، ثم نظرنا في جهة أخرى صورا عديدة مصنوعة من الزلط الرفيع. وبعد أن أشبعنا النظر في الطبقة العليا قصدنا الطبقة السفلى، فأول ما شاهدناه آلات الحرب القديمة بأجمعها من مدافع وأسلحة وبنادق وما شاكل ذلك، وصور الأبطال راكبين جيادهم ورافعين السلاح إشارة إلى الهيئة التي كانوا بها أثناء الحروب. وبعدئذ دخلنا غرفا عديدة فيها صور القديسين، فشاهدنا أولا صورة عظيمة يبلغ طولها من ثلاثة لأربعة أمتار وعرضها نحو مترين، وهي صورة بطرس الرسول عندما صلب منكس الرأس واليهود بكثرة حوله، ثم صورة إبراهيم الخليل عندما أراد ذبح ولده الوحيد وجاء ملك من السماء وأمسك بيده ووضع الكبش بجانبه، وأكثر الصور يبلغ 3 × 4 أو 2 × 5. ثم أيقونة أم المخلص، وبعد ذلك دخلنا أودة عظيمة بها نحو من 20 أيقونة، وكل واحدة معلق أمامها قنديل من الفضة لا ينطفئ ليلا ونهارا.
وقد سهي علي أيها القراء أن أذكر لكم أولا صورة الملكة زوجة بطرس الأكبر وصورته عندما أسلم الروح، ثم صورته وهو راكب جواده، ثم عند وضعه في القبر، والعصا التي تدل على قياسه والسيوف المرصعة بالجواهر التي كانت له، والشماسي والعصي التي كانت له ولزوجته. وبعد أن انتهينا من مشاهدة هذا المحل العظيم دخلنا القصر الإمبراطوري، فعبرنا ردهة موصلة من دار التحف إلى القصر المذكور، وهنا يعجز اللسان عن التعبير ولا يمكنه أن يصف هيئة القصر كما شاهده الإنسان بعينه، دخلنا ونحن نعجب من ارتفاع تلك القصور الهائل والكراسي المزخرفة والمفروشات العظيمة الموجودة به، فصرنا نعبر حجرة بعد أخرى حتى وصلنا صالة كبيرة وهي المعدة لمقابلة الملوك، فهذه الصالة فيها يشاهد الإنسان نهر نيفا وطولها نحو من 30 مترا وعرضها 10 تقريبا، وعلى يمينها ويسارها عدة كراسي، ومن الجهة البحرية يوجد الكرسي الملوكي، ويوجد في هذه الصالة 24 ثرية يبلغ ضوء كل واحدة منها 400 شمعة وهي بالنور الكهربائي. وبعد ذلك دخلنا حجرا عديدة كلها مزخرفة، ومن ضمنها أودة جد الإمبراطور الحالي، فلما دخلناها نظرنا في شمالها مائدة وعليها دفاتره، وعلى اليمين وفي وسط هذه الأودة مائدة أخرى للأشغال الخصوصية، فنظرنا فوقها الساعة التي كان يحملها وعقاربها واقفة عند ساعة موته، ثم شاهدنا أيضا النقود التي كانت في زمانه، وفم السيجارة وبعض ملابسه، وآخر سطر كتبه حيث كان الدفتر مفتوحا، ووراء كرسيه كرسي آخر عليه دفاتر أخرى، وعلى يمين هذا الكرسي دروة فيها السرير الذي أسلم عليه الروح، فتعجبنا من الاهتمام بحفظ هذه الآثار في مواضعها حيث مضى عليها نحو 25 سنة، ثم دخلنا محلات أخرى بها صورة الوقائع الحربية ومن جملتها الحروب التي كانت بين الروسيا والدولة العلية، وكل صورة من هذه الصور تبلغ مساحتها 3 أمتار × 4 أو 2 × 4 بالتقريب، وكلها مرسومة بالألوان الجميلة، ثم شاهدنا بستانا في الطبقة الثالثة تبلغ مساحته 200 متر مربع (20 × 10) وبه أشجار مرتفعة تشبه شجر «الصرو» وبه عدة مماش وفي وسطه بئر لري هذا البستان العظيم. وهكذا أخذنا نسير مدة ثلاث ساعات ونصفا حتى تعبنا فركبنا العربات وعدنا للنزل في الساعة الواحدة بعد الظهر. وفي مساء ذلك اليوم تنزهنا في الجزائر السابقة الذكر فأمضينا فيها للساعة 9 مساء. ومما يوجب العجب أن غروب الشمس في عاصمة الروسيا في فصل الصيف يكون بعد غروب الشمس عندنا بربع ساعة وهكذا في فصل الصيف. وأما في فصل الشتاء فيكتسي الجو بالظلام من الساعة 3 بعد الظهر لغاية صباح اليوم التالي، وتكتسي الأرض بالثلج حتى لا يمكن للإنسان أن يعبر الطريق إلا إذا لبس حذاء كبيرا. وفي أثناء سقوط الثلج تتجمد المياه حتى يمكن للعربات المسير على المياه نفسها، ثم يصنعون قنايات في وسط الثلج الذي يسقط في الأنهر حتى يتمكنوا من وجود ماء للشرب، ويبلغ عمق القنايات نحو متر ونصف تقريبا.
وفي يوم الثلاث 15 منه الساعة 9 صباحا ركبنا قطار السكة الحديد وقصدنا موضعا يدعى «كراتنويسلو» يبعد عن العاصمة نحو 20 كيلومترا تقريبا، فعند وصولنا للمحطة ركبنا العربات التي كانت معدة لنا وسرنا إلى موضع يبعد عن المحطة بنصف ساعة لمشاهدة استعراض الجيش الروسي، فاستقبلونا في محل مخصوص كان قد أعد لنا ولعائلات الوزراء وأكابر التجار وبعض أكابر القوم أيضا، وبجانب هذا المكان يوجد كشك مخصوص لجلالة الإمبراطور وملك إيطاليا وبعض العائلات الملوكية، فما حلت الشمس وسط الأفق إلا ومر جلالة القيصر راكبا جواده أمام الجيش ورافعا سلاحه رمزا إلى تحية أمته السعيدة، وتلاه شقيقه الدوك مخائيل وراءه، ثم وزير الحربية وجمع عظيم من القواد، فاستمرت الأورط تمر أمام الجميع مدة ثلاث ساعات ونصف، ومن ضمن هذا الجيش العظيم تلامذة المدارس الحربية والبحرية، ثم مر نحو 400 مدفع وكل واحد منها يقوده 6 من جياد الخيل، وكل جواد يركبه جندي، والمدفع نفسه يركبه ثمانية جنود. وكل أورطة مؤلفة من ثمانية صفوف، فسررنا بمشاهدة هذا الجيش العظيم الذي يبلغ 40 ألف جندي في العاصمة فقط، وأما مجموعه فيبلغ نحو مليون وهو متفرق في أقطار الروسيا كلها.
وهذا الاستعراض كان لمناسبة وجود جلالة فيكتور عمانويل الثالث ملك إيطاليا. وفي الساعة الرابعة من مساء ذلك اليوم عدنا بالعربات إلى المحطة حيث تناولنا الغذاء في لوكندة الإمبراطور الخصوصية المعدة لجلالته لتناول الطعام في الأوقات التي يكون جلالته مترددا في الأماكن المجاورة لها، ثم أخذنا القطار وعدنا للعاصمة .
المعامل الروسية
وفي صبيحة اليوم الثاني 16 منه عند الساعة 10 صباحا قصدنا معامل الحديد، فاستقبلنا جناب الرئيس العمومي وبعض المهندسين ورؤساء الورش، ودخلوا بنا إلى فابريقة المدافع الصغيرة الموضوعة على فرع من نهر نيفا، فنظرنا كيفية العمل وكيفية وضع الرصاص وإطلاقه. وبعد ذلك ركبنا باخرة صغيرة (رفاص) وسرنا إلى الشاطئ الثاني حيث كان يوجد نحو 10 مدافع صغيرة، فأطلقوها أمامنا ثلاث دفعات فكنا نسد آذاننا من شدة الضجة. وبعد بضعة دقائق عدنا بالباخرة وأخذنا وابورا صغيرا للوصول إلى الفابريقة الأخرى؛ حيث كل واحدة تبعد عن الثانية بنحو كيلومتر تقريبا، فوصل بنا إلى الفابريقة التي يصنعون فيها أعظم المدافع، فلما شاهدناها زاد بنا العجب والاندهاش؛ إذ شاهدنا من المدافع ما يبلغ طول البعض منها 13 مترا وارتفاع الدائرة 45 سنتيمترا، والبعض الآخر 8 أمتار وارتفاع الدائرة 20 سنتيمترا. وأخذنا نجول في هذه الورش الهائلة مدة 3 ساعات تقريبا. وشاهدنا أيضا الحديد عندما يصير كالماء الجاري، ثم آلات بخارية للمراكب الحربية وثمن البعض منها 5 آلاف جنيه والآخر 8 آلاف، والمدافع الكبيرة يبلغ ثمن البعض منها 10 آلاف جنيه والأخرى ستة آلاف. ومن العجيب أنه في كل ورشة أودة مخصوصة بها أيقونة أحد القديسين وأمامها قنديل لا ينطفئ، وكذا في أغلب الشوارع والأزقة، ثم تناولنا الغذاء في الساعة الثانية من مساء اليوم المذكور، وبعدئذ عدنا لمحل إقامتنا.
زيارة الكنائس
ولما أصبح اليوم التالي (يوم الخميس 17 منه) قصدنا زيارة الكنائس، فدخلنا أولا كنيسة ماري إسحاق التي كانت تبعد عن النزل بنصف كيلومتر، ودخلناها في الساعة العاشرة من صباح اليوم المذكور، وكان في انتظارنا حضرات كهنتها وأكثر من 50 تلميذا (شماس) فأنشد الجميع في الحال التراتيل الدينية وهتفوا بصوت واحد: فليعش الإمبراطور مناليك والإمبراطور نقولا الثاني ونيافة مطران الحبشة و«عباس الثاني». ثم ساروا بنا أمام الهيكل فنظرنا الباب كله مموها بالفضة، ومنقوشا عليه رسم نحو مائة قديس، وفي أربعة أركانه ملائكة يحملون الصلبان، وأمام هذا الباب العجيب على بعد 3 أمتار أيقونة أم المخلص وابنها الحبيب موضوعة على قطعة من النحاس الأصفر ترتفع عن الأرض بنحو متر، وكان دائرها مرصعا بالجواهر الكريمة، وفوق كل من رأس السيدة وابنها الحبيب قطعة من الألماس تشبه البندقة، والاسمان مكتوبان بالحجارة الكريمة أيضا. وبجانب هذه الأيقونة نسخة الإنجيل الذي يبلغ ثمن غطائه 8 آلاف جنيه؛ لأنه مرصع بالجواهر، وعلى بعد 15 مترا على باب الهيكل أيقونة المخلص وهو مدفون في قبره رمزا إلى موته المجيد، وفي الأربعة أركان ملائكة يحملون الصليب أيضا، ثم قبر صاحب الكنيسة وأيقونته أمامها قنديل لا ينطفئ دائما، وفي الجهة الغربية من هذه الكنيسة غرفة ناظر حساباتها، وأمامها مائدة عظيمة مستطيلة عليها شمع كثير يأخذ الإنسان عددا معلوما ويشعله أمام من يريد من القديسين إذا كان عليه نذر بعد دفع الثمن المحدد لكل شمعة، وتكاليف هذه الكنيسة 29 مليون روبل (3 ملايين جنيه تقريبا). وأما ارتفاعها فغريب جدا يبلغ 40 مترا وطولها 50 مترا وعرضها 25، وبها 20 عمودا من الرخام الأزرق المنقوش، وكذا جدارها بالرخام أيضا، وقد مكثنا بها نحو ساعة مندهشين من فخامة هذه الكنيسة، ثم غادرناها في الساعة 11، وقصدنا كنيسة أخرى، ألا وهي كنيسة القديسة مريم، فكان في انتظارنا على بابها جملة من الكهنة والشمامسة وكلهم بالملابس الكنايسية، فساروا بنا بموكب عظيم داخل الكنيسة، فرأينا باب الهيكل المفضض منقوشا عليه جملة من القديسين مثلما تقدم في باب هيكل كنيسة ماري إسحاق المتقدم ذكره، ثم أيقونتها مرصعة بالجواهر وتبلغ قيمتها 5 آلاف جنيه، واسمها واسم ابنها المخلص منقوشين بالألماس أيضا، وكذلك أواني الكنيسة جميعها. وأما ملابس الكهنة فمنقوشة أعظم نقش وبعضها مزين بالجواهر، ثم صورة أم المخلص مدفونة في قبر من الرخام الأبيض وعليه صليب عجيب من الذهب، ثم أيقونتها فوق ذلك القبر وأمامها قنديل من الذهب الروسي الأبيض، وأما تكاليف هذه الكنيسة فتبلغ 750 ألف جنيه. وهي أقل ارتفاعا من الكنيسة السابقة الذكر، ويعلوها قباب منها أربع صغيرة والوسطى كبيرة جدا، وبها أربعة أجراس، وفي الجهة الغربية منها توجد أودة الحسابات وبجانبها أودة صغيرة لحساب النذور فقط، ثم مائدة أمام هاتين الأودتين مخصوصة لشمع النذور، فمكثنا في كل كنيسة نحو ساعة، وفي الظهر قصدنا النزل حيث تناولنا الغذاء.
وفي الساعة 2 من مساء ذلك اليوم ساروا بنا إلى كنيسة صغيرة داخلها قبور الملوك السالفين وعائلاتهم، فكنا نشاهد كل قبر من الرخام الأبيض وعليه صليب من الذهب الخالص وأيقونة الميت على الرأس وأمامها قنديل مشتعل، وقد أحصيت نحو 90 قبرا بهذه الصفة، وهناك أقيمت الصلاة على روح والد جلالة القيصر الحالي واستمرت نحو ساعة وربع، وكنا نقبض على الشمع أثناء الصلاة، ونرى على كل قبر ملكا ماسكا الصليب. والموكلون على هذا المحل نحو 15 شخصا غير الكهنة والشمامسة، وبداخله أشجار كثيرة ورياحين متنوعة، وإذا تأمل الإنسان لهذه الكنيسة يجدها شعلة تتلألأ بالقناديل الموضوعة أمام كل قبر من هذه القبور. وكان خروجنا منها في الساعة 3 بعد الظهر، فقصدنا محلا صغيرا منفردا، فوجدنا بداخله أول قارب صنعه بطرس الأكبر، وهذا القارب معلق في سلسلة من الحديد ترتفع عن الأرض بنحو نصف متر تقريبا، وفيه أيضا الرايات التي كانت في أيام ذلك القيصر مرفوعة حول القارب المذكور، وبعد ذلك سرنا لموضع آخر يوجد بداخله كرسي وخزانة صنعهما القيصر المذكور وهما منقوشان أعظم نقش، وفيه مقصورة السيدة العذراء وأيقونتها، وكنا نشاهد أناسا كثيرين يتوافدون على هذا المكان للتبرك به.
وفي يوم الجمعة 18 منه استرحنا لغاية الظهر، وفي الساعة 4 مساء أخذنا العربات وتنزهنا في الجزائر المتقدم ذكرها، فلبثنا فيها نحو ثلاث ساعات، وكان نيافة المطران في زيارة خصوصية.
صفحه نامشخص