٣٠ - فصل
استدل هذا المخالف على أن الله سبحانه لم يخلق أقوال العباد في الكذب بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (^١)، فنفى الله سبحانه أن يكون الكذب من عنده وكذب من نسبه إليه.
والجواب أن يقال: إنه (^٢) لا حجة لك في الآية إن أقوال العباد في الكذب خلق للعباد وليس بخلق لله، لأن الذي لووا اليهود ألسنتهم فيه هو بعث النبي ﷺ لأنهم غيروه وبدلوه، وقالوا: هذا من عند الله أي أنزله الله في التوراة على موسى فأكذبهم الله بأنه أنزله كما قالوا فقال: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ أي ما أنزله على موسى (^٣)، ولم يرد سبحانه أنه أنطقهم بالكذب بل ذلك معلوم من قوله: ﴿أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (^٤)، فخلقه سبحانه النطق فيهم حق وحسن في الصنع، وهو كذب وباطل منهم، كما أن قول الله سبحانه (^٥) في خبره عن قولهم: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ حق وصدق وهو بالإضافة إليهم كذب وزور وباطل، فكذلك الكلام في سائر الكلام الباطل والكذب، وكلمة (عند) ليست بصريحة في العبارة عن الخلق، بدليل أن رجلًا لو قال: عندي لفلان عبد أو قال: فلان عند الأمير، لم يدل على أنه