وعرض أصحاب هذه المحاولات كتب الفكر الإسلامي اليمني الزيدي من أمهات مراجع الكتب لتوضيح أصول ومصادر وآراء هذا الفكر.. ولكنها كلها تبدأ باعتراف أصحاب هذا الفهم بخطأ فهمهم، فإذا انفض الجانبان عن المقام، أنكر أولئك ما سمعوا ورجعوا عما قالوا وعادوا إلى ما اعتادوا. ويتذرع أصحاب هذا الفهم في بعض ما يقولون وما يكتبون ضد الفكر اليمني، بمخالفة هذا الفكر لمذهبهم في آراء لا تخرج في معظمها عن الآراء الاجتهادية التي لا خلاف بين الأمة في جواز الاجتهاد فيها اختلافا؛ والاختلاف فيها اجتهادا. وليس هذا التعريج سوى استطراد من موضوع عزلة التراث اليمني، مما يمنعنا عن الإيغال فيه وتتبع بعض من الأمثلة في هذا والأدلة عليه.
الرابع: يلاحظ في السنوات العشر الأخيرة تقريبا.. ظهور مؤلفات جديدة عن بعض أعلام الفكر اليمني صادرة في فترات متفاوتة.. في دراسات عليا. وهذه المؤلفات أو الدراسات، وإن كانت موضوعاتها يظهر عليها أنها منتقاة، إلا أننا يجب أن نعتبرها بادرة جيدة على أمل أنها قد تتيح فرصا لنظرة علمية وموضوعية نحو هذا الفكر.
وأريد التنبيه هنا.. إلى أن وضع هذا الحديث في شكل علامة تعجب من ذلك الموقف والفهم الخاطئ تجاه الفكر اليمني، لا يعني أبدا أننا نريد من الآخرين أن يقطعوا بتصويب كل التراث الفكري الإسلامي في اليمن ومذاهبه وآرائه واجتهادات أعلامه، بصفة مطلقة.. أو أن يتركوا مذاهبهم وتراثهم وينصرفوا إلى هذا التراث. فهذا غير وارد.. ولكن الغرض الذي نريده هنا، يتلخص في نقطتين:
أولاهما: أن لا يقول أولئك في الفكر والمذاهب وأعلامهما في اليمن رأيا أو نعتا قبل أن يقرؤوا من مؤلفات هذا الفكر مجموعة متنوعة في موضوعها ومؤلفيها تكون كافية لتكوين نظر ورأي صحيحين، وأن لا يقولوا عنها بعد قراءتها كلاما يتناقض مع ما رأوه وقرأوه فيها، أو رأيا مغايرا لما فهموه منها أو صفات لا تنطبق عليها. وهذا أقل ما يمكن أن لا يفرط فيه أو يتجاوزه أو يقصر عنه العالم الورع في ما ينقله ويرويه ويكتبه عن غيره من الناس.
وثانيتهما: أن يكون التعامل مع هذا الفكر على حقيقته، بوصفه فكرا إسلاميا اعتور تأليفه وتأصيله وتوسيع علومه وآرائه، علماء مجتهدون من أكبر وأشهر علماء المسلمين على مدى قرون من السنين وأجيال من الباحثين والمحققين.. وعلى أساس أن الاختلاف في الاجتهادات والمذاهب قضية واردة ومسلم بها، وموضع احترام وإجلال بين علماء الأمة ومدارس ومقاصد الشريعة، يفترض أن لا يسبب شيء منها فرقة أو تنابذا أو سوءا من قول أو فعل، وهي قضية قائمة معروفة غير منكرة من عهد الصحابة (رضوان الله عليهم)، ثم التابعين وحتى اليوم. ولم يحدث شيء منها عداء أو فرقة بين الأمة إلا في فترات محدودة ولدى أشخاص محدودين، وذلك في حالتين تقريبا:
صفحه ۲۵