آخره ألف التأنيث -وهي أوْكَدُ من التاء- فَلأَن يجوز ذلك فيما آخرُهُ التاءُ كان ذلك من طريق الأوْلى.
وأما ابن كسيان فاحتج على ذلك بأن قال: إنما جوَّزنا جمعه بالواو والنون وذلك لأن التاء تسقط في الطَّلْحَات، فإذا سقطت التاء وبقيَ الاسم بغير تاء جاز جمعه بالواو والنون، كقولهم "أرْض وأَرَضُون" وكما حركت العين من أَرَضُون بالفتح حملًا على أَرَضَات فكذلك حركات العين من"الطَّلَحُون" حملًا على الطَّلَحَات؛ لأنهم يجمعون ما كان على "فَعْلة" من الأسماء دون الصفات على "فَعَلَاتٍ".
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على امتناع جواز هذا الجمع بالواو والنون وذلك لأن في الواحد علامة التأنيث، والواو والنون علامة التذكير، فلو قلنا إنه يجوز أن يجمع بالواو والنون لأدّى ذلك إلى أن يجمع في اسم واحد علامتان متضادتان، وذلك لا يجوز، ولهذا إذا وصفوا المذكر بالمؤنث فقالوا "رجل رَبْعة" جمعوه بلا خلاف فقالوا "رَبْعَات" ولم يقولوا: رَبْعُون، والذي يدل على صحة هذا القياس أنه لم يسمع من العرب في جمع هذا الاسم أو نحوه إلا بزيادة الألف والتاء، كقولهم في جمع طلحة "طَلَحَات" وفي جمع هبيرة "هُبَيْرَات" قال الشاعر:
[١٩]
رحم الله أَعْظُمًا دَفَنُوها ... بِسِجِسْتَان طَلْحَةَ الطّلَحَات
ولم يسمع عن أحد العرب أنهم قالوا الطلحون ولا الهبَيرون، ولا في شيء من هذا النحو بالواو والنون، فإذا كان هذا الجمع مدفوعًا من جهة القياس معدومًا من جهة النقل فوجب أن لا يجوز.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إنه في التقدير جمع طَلْح" قلنا: هذا فاسد؛ لأن الجمع إنما وقع على جميع حروف الاسم، لأنا إيَّاه نَجْمَعُ، وإليه نقصد، وتاء التأنيث من جملة حروف هذا الاسم، فلم ننزعها عنه قبل الجمع وإن كان اسمًا لمذكر؛ لئلا يكون بمنزلة ما سُمِّي به ولا علامة فيه، فالتاء في جمعه مكان التاء في واحدة.
_________
[١٩] هذا البيت من كلام عبيد الله بن قيس الرقيات، من كلمة له يقولها في طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي، وقد أنشده ابن منظور "ط ل ح" وقد اختلف في سبب تسميته "طلحة الطلحات" فيقل: كان كريما وأنه زوّج مائة عربي بمائة عربية وأمهرهنَّ من ماله، فولد لكل واحد ولد فسمّاه طلحة، فأضيف إليهم، لأن يده كانت السبب فيهم، وقيل: بل لأن أمه صفية بنت الحارث بن طلحة، واسم عمّها طلحة، واسم أخيها طلحة، فلما اكتنفه هؤلاء الطلحات أضافوه إليهم.
1 / 35