نعتقد أن الله تعالى عالم بعلم، ومع ذلك نعتقد استحالة كونه مخدوعا لأن علمه عندنا عام التعلق كما وصفنا، ونعتقد أنه لايصصدر كائن في الوجود إلا عن قدرته لا غير، ومع ذلك نمنع أن ينسب الخداع إلى الله تعالى لما يوهم ظاهره من أنا إنما يكون عن عجز عن المكافحة وإظهار المكتوم، هذا هو الموهوم منه في الإطلاق، ولكن حيث أطلقه تعالى مقابلا لما ذكره من خداع المنافقين كمقابلة المكر بمكرهم علمنا أن المراد منه أنه فعل معهم فعلا سماه خداعا مقابلة ومشاكة، وإلا فهو قادر على هتك سترهم وإنزال العذاب بهم رأى العين، فهذا معتقد أهل السنة في هذه الآية وأمثالها، لا كالزمخشرى وشيعته الذين يزعمون أنهم يوحدون فيجدون وينزهون فيشركون، والله الموفق للحق. وكذلك الخداع المنسوب إليهم على سبيل المجاز عن تعاطيهم أفعال المخادع على ظنهم، وأصدق شاهد على أنه مجاز نفيه بعقب إثباته في قوله - وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون - ففي هذه التمة نفى احتمال الحقيقة حتى يتعين جهة المجاز، ومما عده البيانيون من أدلة المجاز صدق نفيه، فتأمل هذا الفصل فله على سائر الفصول الفضل.
صفحه ۱۷۱