اینجاد در ابواب جهاد
الإنجاد في أبواب الجهاد وتفصيل فرائضه وسننه وذكر جمل من آدابه ولواحق أحكامه
پژوهشگر
(مشهور بن حسن آل سلمان ومحمد بن زكريا أبو غازي) (ضبط نصه وعلق عليه ووثق نصوصه وخرج أحاديثه وآثاره)
ناشر
دار الإمام مالك
محل انتشار
مؤسسة الريان
ژانرها
فقه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
= وقال الإمام النووي في «الروضة» (١٠/٢٨٢) -متممًا كلامه الذي نقلته عنه قبل-:
«... فإن لم يقدر على الهجرة فهو معذور إلى أن يقدر» .
قلت: ولا تعارض بين قوله ﷺ: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونيّة»، وقوله: «لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو» .
فأنقل إليكم ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديثين المذكورين، وأنه لا تعارض بينهما، فقال في «مجموع الفتاوى» (١٨/٢٨١- وما بعدها):
«وكلاهما حق، فالأول أراد به الهجرة المعهودة في زمانه؛ وهي الهجرة إلى المدينة من مكة وغيرها من أرض العرب؛ فإن هذه الهجرة كانت مشروعة لما كانت مكة وغيرها دار كفر وحرب، وكان الإيمان بالمدينة، فكانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة لمن قدر عليها، فلما فتحت مكة وصارت دار الإسلام، ودخلت العرب في الإسلام، صارت هذه الأرض كلها دار الإسلام، فقال: «لا هجرة بعد الفتح»، وكون الأرض دار كفر ودار إيمان، أو دار فاسقين، ليست صفة لازمة لها: بل هي صفة عارضة بحسب سكانها، فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون هي دار أولياء الله في ذلك الوقت، وكل أرض سكانها الكفار فهي دار كفر في ذلك الوقت، وكل أرض سكانها الفساق فهي دار فسوق في ذلك الوقت، فإن سكنها غيرُ ماذكرنا، وتبدلت بغيرهم فهي دارهم.
وكذلك المسجد إذا تبدَّل بخمارة أو صار دار فسق أو دار ظلم أو كنيسة، يشرك فيها بالله كان بحسب سكانه، وكذلك دار الخمر والفسوق ونحوها إذا جعلت مسجدًا يعبد الله فيه -جل وعز- كان بحسب ذلك، وكذلك الرجل الصالح يصير فاسقًا، والكافر يصير مؤمنًا، أو المؤمن يصير كافرًا، أو نحو ذلك، كل بحسب انتقال الأحوال من حال إلى حال، وقد قال -تعالى-: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً﴾ [النحل: ١١٢] الآية، نزلت في مكة لما كانت دار كفر، وهي ما زالت في نفسها خير أرض الله، وأحب أرض الله إليه، وإنما أراد سكانها، قد روى الترمذي مرفوعًا أنه قال ﷺ لمكة وهو واقف بالحزورة: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن قومي أخرجوني منك لَمَا خرجت» [وإسناده صحيح، انظر: «المشكاة» (٢٧٢٥)] . وفي رواية: «خير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ»، فبيَّن أنها أحب أرض الله إلى الله ورسوله، وكان مقامه بالمدينة ومقام من معه من المؤمنين أفضل من مقامهم بمكة لأجل أنها دار هجرتهم؛ ولهذا كان الرباط بالثغور أفضل من مجاورة مكة والمدينة، كما ثبت في «الصحيح»: «رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطًا، مات مجاهدًا، وجرى عليه عمله، وأجرى رزقه من الجنة، وأمن الفتان» [رواه مسلم] .
وفي «السنن» عن عثمان عن النبي ﷺ أنه قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل» [حسَّنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي] . =
1 / 71