159

فرد عليها زوس، حاشد السحب: «كلا، هيا الآن، وسلطي عليه أثينا، التي تمنح الغنيمة، والتي طالما تاقت أكثر من غيرها أن تجلب عليه الآلام المريرة!»

وإذ قال ذلك، لم تحجم الربة هيرا الناصعة الذراعين عن الإصغاء. ثم لمست جيادها بالسوط، فانطلقت لا يقف في طريقها شيء، تطير بين الأرض والسماء ذات النجوم. وكانت القفزة الواحدة من جياد الأرباب، العالية الصهيل، تقطع من المسافة بقدر ما يبلغ مرمى بصر المرء الجالس فوق قمة شاهقة يذرع بعينيه أجواز الفضاء القصي، ويجول بناظره عبر أعماق البحر القاتمة كالخمر.

ولما أشرفت الربة على طروادة، والنهرين المتدفقين، حيث يتحد مجريا نهر «سيمويس» ونهر «سكاماندر»، أوقفت هيرا الغراء الساعدين جيادها، وخلتها عن العربة، وسكبت حولها غماما كثيفا، كما أنبت لها نهر سيمويس مرعى إلهيا كي ترعى فيه.

وبعد ذلك انطلقت الربتان في طريقهما معا، تسيران بخطوات اليمام الخجول، تواقتين إلى تقديم المساعدة لمحاربي أرجوس. فوصلتا إلى حيث تقف الأغلبية وأعظم الشجعان مجتمعين حول ديوميديس القوي، مستأنس الخيول، كأنهم الأسود الضارية أو الخنازير البرية التي تفتر قوتها، وقفت هناك الربة هيرا الناصعة الذراعين، في صورة «ستينتور»

16

العظيم القلب، ذي الصوت البرونزي، الشبيه بصوت خمسين رجلا، وصاحت قائلة: «ويحكم أيها الأرجوسيون . يا للخزي والعار، أيها الأخساء، ليس فيكم من شيء جميل سوى المظهر فحسب! لطالما اشتهى أخيل العظيم أن يسير إلى القتال، فما كان الطرواديون يستطيعون التقدم إطلاقا حتى أمام الأبواب الدردانية، من فرط ما كانوا يرهبون رمحه المكين، أما الآن فإنهم يقاتلون بعيدا عن المدينة بالقرب من السفن الخاوية.»

وما إن قالت هذا حتى حفزت قوة وروح كل رجل، ثم قفزت الربة أثينا البراقة العينين إلى جوار ابن توديوس، فوجدت ذلك الباسل إلى جوار خيوله وعربته، يبرد الجرح الذي أنزله به «بانداروس»

17

بسهمه؛ إذ كان يثيره العرق الذي يسيل تحت الحامل العريض لترسه المستدير، وكانت ذراعه متعبة، فكان يرفع الحامل ويمسح الدم القاتم.

ثم أمسكت الربة بأعنة خيوله وقالت: «ما أقل شبه ابن توديوس بالأب الذي أنجبه! كان توديوس صغير الجسم، ولكنه كان محاربا. فحتى عندما كنت لا أكلفه عناء القتال أو إظهار قوته، كنت في أي وقت يأتي فيه في سفارة إلى طيبة، بين كثير من «الكادموسيين»، وليس معه أي آخي، آمره بتناول الطعام في ساحاتهم في سلام، ومع ذلك كان كسابق عهده، يتحدى بروحه الباسلة شباب الكادموسيين ويهزمهم في كل ميدان، بسهولة ويسر. فلقد طالما كنت له حامية. أما أنت، فبرغم أني أقف إلى جوارك وأحرسك، وآمرك بأن تقاتل الطرواديين، بقلب متأهب، فإنك إما قد دب في أوصالك التعب الناجم عن الهجمات الكثيرة، أو أن الفزع الرعديد يستولي على جنانك. وإذن فما أنت من ذرية توديوس، الابن الحكيم القلب لأوينيوس.»

صفحه نامشخص