وَمِنْهَا: أَنَّ فِي هَذَا الْمَثَلِ إِيذَانًا وَتَنْبِيهًا عَلَى حَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ نُورًا ظَاهِرًا كَمَا كَانَ نُورُهُمْ فِي الدُّنْيَا ظَاهِرًا ثُمَّ يُطْفَأُ ذَلِكَ النُّورُ أَحْوَجَ مَا يَكُونُونَ إِلَيْهِ إِذْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَادَّةٌ بَاقِيَةٌ تَحْمِلُهُ وَيَبْقَوْنَ عَلَى الْجِسْرِ فِي الظُّلْمَةِ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْعُبُورَ ; فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ عُبُورَهُ إِلَّا بِنُورٍ ثَابِتٍ يَصْحَبُهُ حَتَّى يَقْطَعَ الْجِسْرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ النُّورِ مَادَّةٌ مِنَ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَإِلَّا ذَهَبَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ صَاحِبُهُ، فَطَابَقَ مَثَلَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِحَالَتِهِمُ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ وَبِحَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَمَا تُقَسَّمُ الْأَنْوَارُ دُونَ الْجِسْرِ وَيَثْبُتُ نُورُ الْمُؤْمِنِينَ وَيُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ.
وَمِنْ هَاهُنَا تَعْلَمُ السِّرَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ. . .﴾ [البقرة: ١٧] الْآيَةَ وَلَمْ يَقُلْ: أَذْهَبَ اللَّهُ نُورَهُمْ، فَإِنْ أَرَدْتَ زِيَادَةَ بَيَانٍ وَإِيضَاحٍ فَتَأَمَّلْ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄.
وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْوُرُودِ فَقَالَ: («نَجِيءُ نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " عَلَى تَلٍّ " فَوْقَ النَّاسِ قَالَ: فَتُدْعَى الْأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا ﵎ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: مَنْ تَنْتَظِرُونَ؟ فَيَقُولُونَ نَنْتَظِرُ رَبَّنَا. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْكَ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتْبَعُونَهُ وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مُنَافِقٍ أَوْ مُؤْمِنٍ نُورًا ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلَالِيبَ وَحَسَكٍ تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ
2 / 80