فكلامهم رحمهم الله تعالى وإن كان في غاية التوضيح والتبيين، وليس غالبه على حسب المألوف عند الخصوم من مراعاة تلك القوانين وحسن التحرير والتقرير وملاحظة مناصب الجدل بين المتناظرين، فربما وجدت في كلام بعضهم رحمهم الله انتقالا من منصب إلى منصب، وخروجا تارة من سبيل المحتج إلى مضيق المغتصب، فبينما هو مغلل إذ صار مانعا والعكس، الذي هو في باب المناظرة ليس نافعا ولا دافعا، وربما ترك بعضهم إحدى مقدمتي القياس عن شرط يخل به فقدانه، وهو لا يلتفت إلى أنه قد اختل برهانه، ما ذاك إلا لأنهم جزاهم الله خيرا لم يلتفتوا إلى جانب العبارات والمباني إلا بقدر ما يتوقف عليه المقصود، ومن قرع الأذهان بالمعاني، وإنما هم بصدد النصح والهداية والإشارات إلى الحقائق الثابتة في نفس الأمر بلا اعتبار معتبر، ولا مراعاة في رعاية، فإن الحقائق ليست مربوطة بالألفاظ ولا موقوفة على العادات، والمدركات ليست مشروطة بالاحتفاظ على مجرد العبارات والاعتبارات، فطال ما أشرقت وجوه الحقائق لطالبها في عبارة مظلمة الأرجاء، وانكشفت أستار الدقائق مع العوائق عن عيون اليقين ببلوغ الرجاء، فإن البرهان القاطع في نفس الأمر لا يضره اللفظ باضطرابه القلق، كما أنه لا يضر السيف القاطع قرب قرابة الخلق.
ما إن يضر الغضب كون قرابة
ض
خلقا ولا البازي حقارة عشه
نعم: قد وقع في كلام الإمام صاحب الأساس قدس الله روحه في دار الثواب نوع اختلال وغفلة واضطراب في مواضع معروفة عند ذوي الألبابن وقل أن يسلم من جميع النقائص أحد من ذوي الخصائص،
ومن ذا الذي ترضا سجاياه كلها
كفى المرء نبلا أن تعد معايبه
صفحه ۱۰