ألا ترى أنهم استدلوا بقوله تعالى: {أتريدون أن تهدوا من أضل الله...} الآية، على أنه تعالى لايريد ما سبق العلم بأنه لا يكون، نظرا إلى أن الله تعالى أنكر هذه الإرادة في هذه الآية، ومعلوم أنه لا ينكر إلا ما كان فعلا للعبد على الخلاف بين أن يكون سببا له كما هو مذهبهم أو بتأثيره، كما هو مذهب أهل العدل، وسيأتي تمام هذا المجال.
إنما المراد هنا أن مقتضى كلامهم المتناقض أن جميع ما يقع في الوجود من أفعاله تعالى وأفعال عباده محض الإيجاب المنافي للاختيار.
ولا يخفاك فساد القول باستناد إرادة العبد إلى غيره، فإنها عبارة عن القصد النفسي وهو فعله لا فعل غيره كالفرق الذي ذكره السيد في هذا الكلام مبني على خالص الجبر، كما هو مبني على محض الإيجاب، وفيه مع الاعتراف بالإيجاب في حق العبد، وفي حق المعبود تعالى شائبة المصادر أيضا، فتأمل.
ومما يدل على لزوم الإيجاب على مذهبهم أنهم نافون للحكمة في أفعاله وأحكامه تعالى وأوامره ونواهيه، حيث نسمعهم يقولون: لا علة في أفعاله وأحكامه تعالى، ولا غرض، وإلا لزم الاستكمال بالغير، وهذا الذي قالوا به هو عين ما يقوله الفلاسفة تعريفا على محض الإيجاب، ونفي الإرادة حقيقة في حق رب الأرباب.
وتقريره: أنهم لو لم ينفوا الغرض لانتفى كونه تعالى مختارا، لكنهم لم يثبتوا كونه سبحانه مختارا، فنفوا الغرض.
صفحه ۷۳