وبهذا أيضا نعلم أن ما ذكروه من المجاز العقلي في قوله تعالة: {ينزع عنهما لباسهما} لا يتم إلا على مذهب العدلية؛ لأنه إسناد إلى سبب السبب، والشيطان الذي قالوا أن وسوسته سبب السبب ليس مؤثر في وسوسته، بل المؤثر فيها عند المجبرة هو الله تعالى كما عرفت، وحينئذ لا يتحقق وجود السببية ووجود سبب السببية إلا من جهة الله تعالى فيشكل إسناد نزع اللباس إلى إبليس بناء على أن وسوسته سبب الأكل من الشجرة، ومن المعلوم في مذهبم أنه ليس إبليس موجد للوسوسة والمقاسمة بل هو محل لهما، والموجد لهما هو الله تعالى، على هذا يكون إسنادا إلى محل سبب السبب، لكن الإسناد إلى محل سبب السبب يستلزم الخروج إلى مجاز آخر على أنه لا يخلو عن مقال لا سيما إذا نظرت إلى قوله تعالى: {ليريهما سوآتهما} فإنه لفظ ليريهما إما أن يكون حقيقة في نفسه أو مجازا من قبيل الإسناد إلى السبب أيضا لا سبيل إلى الأول لامتناع أن يكون الفعل المعلل مجازا وفعل التعليل حقيقة مع اتخاذ الفاعل وأيضا فلا يصح لعلة الغائبة في محل سبب السبب بل وفي المحل أيضا، ولا سبيل إلى الثاني لأنه يستلزم أن يكون الفاعل ليريهما حقيقة هو الله تعالى فيلزم التعليل في أفعاله عز وجل، وهو ممتنع عندهم، فيلتأمل.
فإن قيل: ما المانع من أن يكون السبب كلام أهل البيان أعم من السبب العادي الذي يقول به الشيخ الأشعري، وإبليس على هذا القول سبب السبب العادي.
قلنا: كلام أهل البيان ليس بصدد كلام أهل الكلام كالأشعري وإنما هو بصدد كلام أهل اللسان ولا التفات لأحد منهم إلى السبب العادي الذي اخترعه الأشعري.
صفحه ۵۶