ومنها قوله: من موافق ومعاند فإنه يستلزم بتحقيقه عكس مطلوبه وفساد طريقه؛ لأنه اعتراف بثبوت الموافقة من البعض والمخالفة من البعض من العباد، ولا يتصور أن يكون بعضهم موافقا وبعضهم مخالفا معاندا على تقديراتهم كلهم منخرطون في سلك إرادته تعالى وجازون على مقتضى تصرفه فيهم باختيارهم كما هو مذهب المعترض وأصحابه، بل إنما يكون كلهم تحت الحكم بالموافقة التامة، كيف وهو وأصحابه قائلون في إلزاماتهم الفاسدة للمعتزلة أنها لو كانت المعاصي واقعة من العصاة بدون إرادته تعالى لزمت مغالبتهم له في ملكه تعالى، بل يلزم أنهم هم الغالبون له تعالى كما صرح به المعترض فيما سيأتي إن شاء الله تعالى تصريحا تاما، وهكذا أصحابه لا يزالون يقعقعون بهذه الدلسة الباطلة عند كل عاقل منصف.......عند المعترض في حال غفلته عن مذهبه وطريقته كما في هذا الموضع فإنه غفل عن كون إثبات مخالفة بعض العباد وموافقة بعضهم يناقض ما قعقعوا به في تلك الدلسة، كأنها تقتضي بصحتها على مرادهم أن لا يتصور من أحد من العباد ومخالفة الله سبحانه وتعالى فضلا عن المعاندة، وهذا لا يقول به إلا من لم يعرف معنى المخالفة في الأوامرو النواهي الشرعية، وهي واقعة قطعا وإجماعا، فإن كانت مخالفة الأوامر والنواهي الشرعية مستلزمة للمعاندة كما اعترف به هنا من حيث لا يريده، فإما أن يقول أن هذه المعاندة تستلزم المغالبة والغلبة أو يقول بذلك ولا ثالث لهمان إن قال بالأول فقد لزمهم ما ألزموا به المعتزلة، وكفى الله المؤمنين القتال، وإن قال بالثاني فقد اعترف بفساد ذلك الإلزام في تلك الدلسة الباردة الفاسدة، فيصدق في حق مثله أن يقال {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا}، ثم أن مواقفة بعض العباد ومخالقة بعضهم يدل على تفاوت إرادتهم[19] استثنائيا حتى يتضح به المقصود ومزيد اتضاح.
صفحه ۵۰