ومنها قوله: وكل في قبضة قدرته من موافق ومعاند، فإنه جعله مفيدا لكونه تعالى هو المؤثر بقدرته في أفعال العباد والاختيار أعم مما نهى عنه وقبحه وذم فاعله، وأعم مما أمر به وكلف بتحصيله وحسنه ووعد فاعله الأجر والثواب على ما تحمل، وهذا مما بناه المعترض على مذهبهم في الجبر الصريح، وبناه أيضا على أمر باطل باعترافه هو أن القادرية على الشيء تستلزم إيجاده وإيقاعه بالقدرة، وقد اعترف فيما سيجيء إن شاء الله تعالى بأن هذا باطل، وأن القدرة على الشيء إنما تستلزم إمكانه من نفسه لا إيجاده، وهذا حق بلا خلاف، وإلا لم يتحقق أن القادر قادر على الشيء إلا إذا أوجده، لكنه لا يتصور أنه أن يوجده إلا إذا كان قادرا عليه فيدور، وهو محال، وإنما قلنا: أنه بناه على هذا الأمر الباطل باعترافه هنالك؛ لأنه لو تذكر هنا أن القادرية على أفعال العباد لا تستلزم أنه تعالى يوجدها ويؤثر في تحصيلها لما توهم أن كون الكل في قبضة قدرته تعالى يستلزم أنه هو المؤثر في أفعالهم لقدرته واختياره عزوجل، ثم أنه أيضا بناه على أمر باطل بلا نزاع وهو عدم الفرق بين المقدور بالقوة وبين المقدور بالفعل، والأول هو ما يصح في نفسه أن تتعلق به القدرة.
والثاني: ما تعلقت به بالفعل، فجعل كون الكل في قبضة قدرته تعالى بالمعنى بالثاني وهو المعنى المجازي، وترك المعنى الحقيقي؛ لأن المقدور حقيقة إنما هو ما يصح أن تتعلق به القدرة.
صفحه ۴۷