============================================================
الفصل الثانى فى بيان الأسباب التى نشأت عنها هذه المحن التى تحن فيها حتى استمرت طول هذه الأزمان التى دفعنا إليها
اعلم ، تولى الله أمرك بالحياطة والهداية ، ولا أخلاك من الكفاية والعناية ، أن الغلاء الذى حل بالخلق منذكاتت الخليقة ، فيما نقل من أخبار بسائر اليلاد فى قديم الزمان وحديثه على ما عرف من أحوال الوجود وطبيعة العمران ، وعلم من أخبار اليشر ، إنما يحدث من اقات سحاوية في غالب الأمر : كقصور جرى النيل بمصر ، وعدم نزول المطر بالشام والعراقال والحجاز وغيره ، أو آفة تصيب الغلال من سمائم تحرقها أو رياح تهيفها ، أو جراد يأكلها وما شابه ذلك . هذه عادة الله تعالى فى الخلق ، إذا خالفوا أمره وأتوا محارمه ، أن يصيبهم بذلك جزاء ما كسبت آيديهم .
وأما هذا الأمر الذى حل بمصر فإنه بخلاف ما قدمتاه . وبيانه أن النيل قصر جريه فى سنة ست وتسعين وسبعمائة ، فشرق أكثر الأراضى ، وتعطلت من الزراعة . فارتفعت الأسعارحتى بلغ سعر القمح إلى سبعين درهما الأردب . ثم أغاث الله سبحانه وتعالى الخلق بكثرة ماء النيل ، حتى عم الإقليم كله ، فأحب الناس لذلك الكثير من البذر ، وكانت الغلات بأيديهم قليلة ، لعدم زراعة أكثر البلاد في سنة ست وتسعين كما مر ، لا جرم أن تزايدت الأسعار ، حتى بلغ سعركل أردب من القمح إلى نحو مانتى درهم والشعير بمائة وخمسة دراهم . هذه عادة بلاد مصر من الزمن القديم : إة تأخر جرى النيل بها أن يمتد الغلاء ستتين . قلما كان أوان مجىء الغلال الجديدة فى سنة ثمان وتسعين انحلت الأسعار إلى أن رجعت تعحوما كانت قبيل حدوث الغلاء ، أو قريبا منه .
صفحه ۱۱۵