============================================================
غلاء ثان في زمن المسعتصر
ثم وقع فى أيام المستنصر الغلاء الذى فحش أمره ، وشنع ذكره ، وكان أمده سبع ستين . وسببه ضعف السلطنة ، اختلال أحوال المملكة ، واستيلاء الأمراء على الدولة واتصال الفتن بين العريان وقصور النيل ، وعدم من يزرما شمله الرى . وكان ابتداء ذلك فى سنة سبع وخمسين وأربعمائة . فتزع السعر ، وتزايد الغلاء ، وأعقيه الوباء حتى تعطلت الأراضى من الزراعة . وشمل الخوف ، وخيفت السبل برا ويحرا ، وتعذر السير إلى الأماكن الا بالخفارة الكثيرة وركوب الغرر . واستولى الجوع لعدم القوت ، حتى بيع رغيف خبز فى النداء ، بزقاق القناديل من الفسطاط ، كبيع الطرف بخمسة عشر دينارا ، وبيع الأردب من القمع [ بثمانين دينارا ] . وأكلت الكلاب والقطط حتى قلت الكلاب ، فييع كلب ليؤكل بخمسة ونانير ، وتزايد الحال حتى أكل الناس بعضهم بعضا . وتحرز الناس، فكانت طوائف تجلس بأعلى ييوتها ومعهم سلب وحبال فيها كلاليب ، فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه ، ونشلوه فى أسرع وقت وشرحوا لحمه وأكلوه . ثم آل الأمر إلى أن باع المستنصر كل ما في قصره من ذخائر وثياب [وأثاث] وسلاح وغيره وصار يجلس على حصير وتعطلت دواوينه وذهب وقاره وكانت نساء القصور تخرجن ناشرات شعورهن تصحن: "الجوع! الجوع! " ، تردن المسير إلى العراق ، فتسقطن عند المصلى ، وتمتن جوعا .
صفحه ۹۸