وبعد: فإن العفو من الله سبحانه قد يكون عن العاجل من العقاب، وقد يكون عن الآجل من العذاب، وقد يكون عنهما جميعا إذا شاء، وليس في الآية أنه عفا عنهم على كل حال، ولا أنه يعفو عنهم في يوم المآب، بل ظاهرها يدل على الماضي دون المستقبل، ويؤيده قوله تعالى: { ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار وكان عهد الله مسئولا } (1). فقد ثبت أنه لا يكون العفو في كل حال، وإن عفا فقد عفا عن السؤال، فإذن لابد أن يكون معنى العفو على ما قلناه في الدنيا عن العاجل دون الآجل، كما عفا سبحانه عنهم في يوم بدر، لما كان منهم من الرأي في الاسرى، وقد أخبر أنه لولا ما سبق في كتابه، من دفع العقاب عن امة محمد صلى الله عليه وآله، وترك معاجلتهم بالنقمات، لمسهم منه جل جلاله عذاب عظيم، أو يكون العفو عن خاص من القوم دون العموم، وإلا لتناقض (2) القرآن. وعلى أي الوجهين ثبت العفو عن المذكورين، فقد خرج الامر عن يد خصومنا في براءة ساحة من يذهبون إلى إمامته وتعظيمه والولاية له (3) لانه لا تتميز الدعوى إلا بدليل، ولا دليل للقوم إلا ما تلوناه في العفو، وذلك غير موجب بنفسه التغيير والتمييز بخروجه عن
---
(1) سورة الاحزاب 33: 15. (2) في أ: تناقض. (3) (وتعظيمه والولاية له) ليس في ب (*).
--- [ 71 ]
صفحه ۷۰