ونحن ممثلون ذلك بالأنية والحى والإنسان، وذلك أنه ينبغى أن يكون للشىء أنية أولا ثم 〈يكون〉 حيا ثم إنسانا. «فالحى» هو علة الإنسان القريبة، و«الأنية» هى علته البعيدة: «فالأنية» أشد علة للإنسان من «الحى»، لأنها علة لل«حى» الذى هو علة للإنسان. وكذلك إذا جعلت النطق علة للإنسان، كانت الأنية أشد علة للإنسان من النطق لأنها علة لعلته. والدليل على ذلك 〈أنه〉 إذا رفعت «القوة الناطقة» عن الإنسان لم يبق إنسانا وبقى حيا متنفا حساسا؛ وإذا رفعت عنه «الحى» لم يبق حيا ويبقى أنيا، لأن الأنية لا ترتفع عنه، ويرتفع «الحى» لأن العلة لا ترتفع بارتفاع معلولها؛ فيبقى الإنسان أنيا: فإذا لم يكن الشخص إنسانا كان حيوانا، وإن لم يكن حيوانا كان أنيا فقط.
فقد بان ووضح أن العلة الأولى البعيدة أكثر إحاطة وأشد علة للشىء من علته القريبة. من أجل ذلك صار فعلها أشد لزوما للشىء من فعل علته القريبة. وإنما صار هذا على هذا لأن الشىء إنما ينفعل أولا من القوة البعيدة، ثم ينفعل ثانيا من القوة التى هى دون الأولى، والعلة 〈الأولى〉 قد تعين العلة الثانية على فعلها، لأن كل معلول علة تفعله العلة الثانية والعلة الأولى أيضا لكنها تفعله بنوع آخر أعلى وأرفع. وإذا رفعت العلة الثانية 〈عن〉 معلولها لم تفارقه العلة الأولى، لأن فعل العلة الأولى أعظم وأشد لزوما للشىء من فعل علته القريبة. وإنما ثبت معلول العلة الثانية بقوة العلة الأولى، وذلك أن العلة الثانية إذا فعلت شيئا أفاضت العلة الأولى التى فوقها 〈على ذلك الشىء من قوتها، فتلزمه〉 لزوما شديدا وتحفظه.
فقد بان ووضح أن العلة الأولى هى أشد علة للشىء من علتهن القريبة التى تليه، وأنها تفيض قوتها عليه وتحفظه، ولا تفارقه مفارقة علته القريبة، وقد تبقى فيه وتلزمه لزوما شديدا على ما بينا وأوضحنا.
[chapter 2] ٢ — باب آخر
صفحه ۴