قال ابن كثير: كان وقع - في دمشق - محنه للشيخ تقى الدين ابن تيميه، وقام عليه جماعه من الفقهاء وارادوا احضاره الى مجلس القاضى جلال الدين الحنفى ، فلم يحضر!.
فنودى في البلد في العقيده التى كان قد ساله عنها اهل حماه، المسم-اه ب(الحمويه)، فانتصر له الامير سيف الدين جاعان، وارسل يطلب الذين قاموا عليه، فاختفى كثيرمنهم، وضرب جماعه ممن نادى على العقيده فسكت الباقون!.
وبقى هذا الامر يكاد يخفى، حتى جاء الزائر الغريب، الذى لم يكن ينتمى الى احد من فقهاء دمشق، فلم يتعصب لهذا على ذاك ، بل هو زائر جوال يحكى ما شهده بنفسه، لا ما نقله اليه غيره، انه الرحاله الشهير ابن بطوطه!.
كان في دمشق تلك الايام، سائحا يمضى فيها اياما ليدون عنها مشاهداته، ثم يرحل عنها خفيف الظل..
وشاء الله ان يكون ابن بطوطه حاضرا ذلك المجلس الخطير ليصفه لنا من داخل المسجد الاموى، وفى قباله المنبر حيث يقوم الشيخ تقى الدين، ثم يسجل ما شاهدته عيناه وسمعته اذناه تحت عنوان ملفت للنظر، فلنقرا مشاهدته كما سجلها في رحلته، اذ يقول تحت عنوان:
(حكايه الفقيه ذى اللوثه!):
كان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابله تقى الدين ابن تيميه، كبير الشام، يتكلم في الفنون، الا ان في عقله شيئا! وكان اهل دمشق يعظمونه اشد التعظيم ويعظهم على المنبر، وتكلم بامر انكره الفقهاء..
قال: وكنت اذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعه وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جمله كلامه ان قال: (ان الله ينزل الى سماء الدنيا كنزولى هذا) ونزل درجه من المنبر!.
فعارضه فقيه مالكى يعرف بابن الزهراء، وانكر ما تكلم به، فقامت العامه الى هذا الفقيه وضربوه بالايدى والنعال ضربا كثيرا حتى سقطت عمامته وظهر على راسه شاشيه حرير، فانكروا عليه لباسها واحتملوه الى دار عز الدين بن مسلم قاضى الحنابله، فامر بسجنه، وعزره بعد ذلك..
صفحه ۶۳