ابن رشد الفيلسوف
ابن رشد الفيلسوف
تأليف
محمد يوسف موسى
عصره وأسرته
الأصل تتبعه الفروع، كما يقول المعتمد على الله بن عباد في شعر له - سنلم به بعد حين - أو أن الأصول عليها ينبت الشجر، كما يقول غيره. وهما تعبيران متقاربان يلخصان قانونا من قوانين الوراثة؛ إحدى سنن الله في خلقه، يظهر أثره بوضوح - تساعده البيئة؛ قانون الطبيعة الآخر - في ابن رشد الحفيد والبيت الذي نبت فيه؛ سواء في ذلك ما يتصل بالصفات النفسية الخلقية، أو الصفات العقلية.
وأسرة ابن رشد من أكبر الأسر الأندلسية، وتعتبر بوجه خاص من مفاخر قرطبة؛ شغلت زمنا طويلا مركزا ممتازا في الفقه والقضاء والسياسة، وكانت موضع إجلال دولة المرابطين، ثم دولة الموحدين، على اختلاف هاتين الدولتين في النزعات والميول من ناحية العلم والعلماء وحرية التفكير. •••
لقد أسس عبد الرحمن الداخل ملكا لبني أمية بالأندلس استمر من عام 138ه إلى عام 427ه، ولما ذهبت هذه الدولة تقاسم الأمراء أقاليم البلاد؛ فكان ملوك الطوائف الذين عرفهم التاريخ، وكان أشهرهم أمرا، وأنبههم ذكرا المعتمد على الله أبو القاسم محمد بن عباد ملك إشبيلية؛ فقد انتظم له في ملكه من بلاد الأندلس ما لم ينتظم لملك قبله؛ أعني من المتغلبين كما يقول المراكشي.
لكن الحذر قد يؤتى من مأمنه! فقد كان بين المعتمد والفرنجة حروب وغزوات يصيب منها ويصاب، فرأى أن يستنصر بيوسف بن تاشفين، ملك البربر بمراكش، فكان ساعيا إلى حتفه بظلفه، وكان ذلك سبب ضياع دولته.
ذلك بأن ابن تاشفين صغر ملكه في عينه بعد أن رأى الأندلس وعظمتها، فعاد إلى بلاده وهو في الأندلس طامع، وأخذ هو ومستشاروه يعملون الحيلة لامتلاكها؛ فبدأ باستئذان المعتمد في أن يسمح لجماعة انتخبهم من خيرة أصحابه بالإقامة في بعض الحصون مرابطين في سبيل الله، بينما هم دعاة وأنصار انتهزوا الفرصة عندما سنحت، وهبوا لقيادة الثورة على ابن عباد، حتى أسر بعد أن أبلى أحسن البلاء سنة 484ه، واستقر أمر الأندلس بعد هذا لابن تاشفين، وعد يومئذ - كما يذكر المراكشي - في «جملة الملوك، واستحق اسم السلطنة، وتسمى هو وأصحابه بالمرابطين».
صفحه نامشخص