محيي الدين بن عربي
محيي الدين بن عربي
ژانرها
ورجال القلوب والأنفاس والعلماء الربانيون كمحيي الدين، الحديث عنهم حديث قلب وروح وإيمان، والعوامل التي تكونهم هي: الأنوار، والإشراقات، والتجليات الربانية، والتقلب في أسرار الأحوال، ومنح المقامات، وما تفيض به على أربابها من كشف وعلوم.
ولقد خاض محيي الدين في الطريق إلى الله، بحار تلك الأحوال، وارتقى قمم تلك المقامات، ونعم بعطاياها، وذاق ثمارها ورياها، وتحدث عنها، وكشف منها ما أمر بكشفه، وأكن ما أمر بحفظه، وما كشف منها محيي الدين عطية لم تمنح لسواه، هي تراث من العلوم يسع علماء الدنيا قرونا وأجيالا يتدارسونها، وينتفعون وينفعون بها.
والمقامات الإلهية بكنوز علومها أحصاها محيي الدين؛ فبلغت ستين ألفا من المقامات والأحوال الربانية، ويتحدث عن نفسه فيقول: «قد دخلنا في كل ما ذكرناه في هذه الإمدادات الإلهية ذوقا مع عامة أهل الله، وزدنا عليهم باسم إلهي - وهو الآخر - أخذنا منه الرياسة وروح الله الذي يناله المقربون من قوله - تعالى:
فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنت نعيم ، ونلت هذا المقام في دخول هذه الطريقة سنة ثمانين وخمسمائة.»
وتلك السنة التي ذكرها محيي الدين تدل على أنه بلغ تلك المكانة، ولم يتجاوز العشرين من عمره، وفي تلك السن المبكرة، أخذ يجتاز تلك المقامات سراعا نحو العلا. ولنجل معه جولة في تلك المقامات التي تنقل في كواكبها، ولنستمع إليه وهو يحدثنا عن مقام النور:
مقام النور
هذا مقام نلته سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، بمدينة فاس في صلاة العصر، وأنا أصلي بجماعة المسجد بجانب عين الجبل؛ فرأيته نورا صافيا غلابا، يكاد يكون من خلفي أكشف من الذي بين يدي؛ غير أني لما رأيته زال عني حكم الخلف، وما رأيت لي ظهرا، ولم أفرق في تلك الرؤيا بين جهاتي، بل كنت مثل الكرة لا أعقل لنفسي جهة إلا بالفرض.
مقام الوجد والوله
وهو من أخطر مقامات التصوف، وهو ذهول وذهاب عن كل ما سوى الله بحكم المحبة والإشراق، وكم من إمام غلب عليه هذا المقام؛ فذهب معه ولم يعد أبدا، ولكن العناية شملته فحفظ كعهده، يقول محيي الدين: «ولقد ذقت هذا المقام، ومر علي وقت أؤدي فيه الصلوات الخمس إماما بالجماعة على ما قيل لي، بإتمام الركوع والسجود، وجميع أحوال الصلاة من أفعال وأقوال، وأنا في مثل هذا كله لا علم لي بالجماعة، ولا بالمحل ولا بالحال، ولا بشيء من عالم الحس؛ لشهود غلب علي غبت فيه عني وعن غيري، فأخبرت أني كنت إذا دخل وقت الصلاة، أقيم الصلاة وأصلي بالناس؛ فكان حالي كالحركات الواقعة من النائم ولا علم له بذلك، فعلمت أن الله حفظ علي وقتي، ولم يجر على لساني ذنبا كما فعل بالشبلي في ولهه. فقد كان الشبلي يرد في أوقات الصلاة على ما ورد عنه، فلا أدري هل كان بعقل رده أو كان مثل ما كنت فيه؛ فإن الراوي ما فصل، فلما قيل للجنيد عنه، قال: الحمد لله الذي لم يجر على لسانه ذنبا، إلا أني كنت في أوقات في حال غيبتي أشاهد ذاتي في النور الأعلى، والتجلي الأعظم، بالعرش العظيم يصلي بها وأنا عري عن الحركة، بمعزل عن نفسي، وأشاهدها بين يديه راكعة وساجدة، وأنا أعلم أني ذلك الراكع والساجد، كرؤية النائم واليد في ناصيتي، وكنت أتعجب من ذلك، وأعلم أن ذلك ليس غيري ولا هو أنا، ومن هناك عرفت المكلف والتكليف.»
مقام الفتح في العبارة
صفحه نامشخص