محيي الدين بن عربي
محيي الدين بن عربي
ژانرها
والمستشرق نيكولسون عميد المستشرقين الأكبر، هو قارع طبل تلك الفرية الكبرى، ومن عجب أنه أوقف طبوله الضخمة المرعدة على محيي الدين، ومحيي الدين وحده من دون رجال التصوف الإسلامي.
يقول الدكتور عفيفي في مقدمته لكتاب «في التصوف الإسلامي» الذي ترجمه عن نيكولسون: «وقد نفى نيكولسون القول بوحدة الوجود، حتى عن الحلاج الذي أثر عنه قوله: «أنا الحق.» وعن عمر بن الفارض الذي أثر عنه قوله: «أنا هي.» أي: الحقيقة الإلهية، بل عن أبي يزيد البسطامي الذي أثر عنه قوله: «سبحاني ما أعظم شأني.»
لأن هذه الكلمات جميعها، قد قيلت في حالة جذب روحي، لا عن فكرة فلسفية أصيلة؛ لأن مذهب وحدة الوجود لم يظهر في التصوف الإسلامي إلا منذ زمن ابن عربي؛ لأنه وحده بطل تلك الفكرة.»
وكأنما عز على نيكولسون أن يجرح التصوف الإسلامي وحده، بتجريح شيخه الأكبر؛ فرمى بتهمة وحدة الوجود على رجال الكلام الإسلاميين بأعجب دليل في عالم الفكر.
يقول نيكولسون في كتابه «في التصوف الإسلامي»
2 - عند حديثه عن فكرة الشخصية في التصوف: «حالة الوجد أو الفناء الصوفي، تتضمن أمرين متناقضين: الأول: تنزيه الله عن جميع صفات الخلق، والثاني: الشعور بأن وجوده سار متغلغل في جميع الخلق، وكل من هذين الطرفين يؤدي إلى القول بوحدة الوجود من طريق يخالف طريق الآخر، فإن القول بوحدة الوجود في التصوف الإسلامي يرجع إلى عاملين: الأول: شعور الصوفي في حال وجده بأنه متحقق بالوحدة الوجودية مع الحق، والثاني: فهمه التنزيه حسبما عرفه المتكلمون؛ فهما أدى به إلى القول بأن الإرادة الإلهية المطلقة هي وحدها العلة في وجود كل شيء في العالم.
وبهذه الطريقة كاد الصوفية والمتكلمون يجعلون من الإسلام مذهبا في وحدة الوجود.»
وإذن فقد وضح غرض نيكولسون، فهو يريد عن عمد أن يتهم الإسلام جملة بأنه دين يجنح إلى وحدة الوجود.
فهو يقول في صراحة: إن المسلم إذا عبد الله بحالة الوجد والفناء الصوفي؛ فهي عبادة أساسها وحدة الوجود، وإذا عبده على أساس التنزيه، حسبما عرفه المتكلمون من رجال الإسلام، بأن الإرادة الإلهية المطلقة هي وحدها العلة في وجود كل شيء في العالم؛ فهي عبادة أيضا أساسها وحدة الوجود.
وهو نفسه يشهد بأن القولين المتناقضين، كل منهما ينتهي إلى وحدة الوجود من طريق يخالف الآخر.
صفحه نامشخص