36
كانوا يدخنون في سكون الليل يظلهم صمت مريح. حسني حجازي يناجي الدخان الذي ينفثه بتمهل وانسجام، وعبده بدران يدخن سيجارة، كذلك عشماوي وهو قابع على كثب من دفء النصبة، وفي الخارج ترامت أصوات المنشدين في مولد سيدي البيومي. وجاء بياع الفلافل يحمل رغيفا محشوا تتدلى من أطرافه بعض عيدان البقدونس، فأعطاه لعشماوي، ووقف ينتظر النقود، والآخر يلتقطها من علبة صفيح ببصره الأعمش. وفي فترة الانتظار قال له بياع الفلافل: تسلل رجالنا أمس إلى خطوطهم فدمروها ...
فهز عشماوي رأسه باعتزاز، فعاد الرجل يقول: وسيعقب ذلك زحف الجيش!
فقال عشماوي وهو يعطيه القروش: ولا تنس هجمات طياراتنا، جاء دورنا ...
ذهب الرجل راضيا. ومضى عشماوي يتناول طعامه، ويتمطق بصوت مسموع تخللته قرقرة النارجيلة. والتفت عشماوي نحو حسني حجازي، وقال: جاءوا له بعربة ذات ثلاث عجلات يقتعدها ويسيرها بيديه، ولكنه لا يخرج بمفرده بعيدا.
لم يدرك حسني حجازي عمن يتحدث بادئ الأمر، ثم تذكر حكاية جاره البطل، الذي بترت ساقاه، فقال: عظيم .. عظيم!
وسأله عبده بدران: هل يمكن أن يتزوج يا عشماوي؟ - يمكن، علمت ذلك من جدته!
فقال حسني حجازي: زوجه تكسب ثوابا، الإنسان يعتاد أي شيء، ولكنه لا يطيق الوحدة.
فقال عم عبده: إبراهيم يواجه الحياة بعزيمة ونجاح.
فقال عشماوي: إنك متعلم وذلك ميزة كبيرة.
صفحه نامشخص